الجمعة الماضي، نشر أحد شباب بلدة القبيات العكارية صوراً لكسارة تتوسط مشاعات في منطقة حرجية. ينتقي أصحاب الكسارات عادة عقاراً محاطاً بمشاعات الدولة وينطلقون من العمل فيه باتجاه المشاعات التي لا تجد من يسأل عنها أو يحميها. ولكن مع بدء الاعتراضات الاهلية على مواقع التواصل الاجتماعي، عقد مجلس بلدية القبيات اجتماعاً طارئاً خصّصه، بحسب بيانه، لرفع الغطاء عن أصحاب الكسارة. التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية أصدرا بياناً مشتركاً قالا فيه إن «النائب هادي حبيش وبلدية القبيات تراجعا عن التغطية الفعلية التي أمّناها لعمل الكسارة تلك، بدءاً من شق الطريق ونقل المعدات، مروراً بالتغطية الأمنية، ووصولاً إلى بدء العمل بها». وأشارا إلى أن «الكسارة موجودة في عقار محاذ لعقار يملكه حبيش ولمشاعات الجمهورية اللبنانية، ويديرها أحد المقرّبين منه»، واضعين تنصّل حبيش السريع منها في سياق محاولته الهروب من «فضيحة أخرى تضاف إلى سجلاته الحافلة بالاعتداءات البيئية وقطع الأشجار». وهنا، اضطر حبيش الذي كان في الصين، إلى إصدار بيان قال فيه إنه «كان ولا يزال واضحاً في رفضه الكسارات ومتفرعاتها في كل نطاق بلدة القبيات». وأكد أن «وجود الكسارة قرب عقار يملكه أكبر دليل أنه من أكثر المتضررين».
التدقيق في الملفات يُبيّن أن حبيش تسرّع كثيراً في إصدار بيانه. فصاحب الأرض التي أقيمت عليها الكسارة ليس من خصومه، بل يكاد يعتبر من أهل البيت، ومعظم من يعرفونه يعتبرونه وحبيش واحداً. إلا أن حبيش أكد في اتصال مع «الأخبار» أمس أن عائلة صاحب الكسارة تنتخبه، وهو عمل فترة في مكتبه قبل أن يفتتح مكتبه الخاص، لكنه «اختلف معه أخيراً» حين علم بأمر الكسارة التي يؤكد حبيش أن أصحاب العقار استحصلوا على جميع التراخيص اللازمة لها من دون علمه، مع أنه جارهم.
لا تنتهي القصة هنا، فالمستندات التي ترفقها «الأخبار» تبيّن أكثر من ذلك بكثير.

لم تتحرّك بلدية القبيات لصيانة قرارها وقف عمل الكسارة إلا بعد الحملة «الافتراضية»



العقار الذي أقيمت عليه الكسارة (3443 ــــ القبيات) يملكه الشقيقان جورج وداني معيكي. الأخير سجّل عند أحد كتّاب العدل في القبيات سند توكيل عام قضائي ــــ مرفق نسخة عنه (مستند رقم 1) ــــ يوكل بموجبه المحامين «الأساتذة هادي حبيش ومروان ضاهر وجورج معيكي وروجيه سركيس بالمرافعة والمدافعة بالحلول محله «أمام قاضي الأمور المستعجلة ولجان التحديد والمساحة والتنظيم المدني ونقابة المهندسين (...)، إضافة إلى تكليفهم الاستثمار والهدم والبناء والاستحصال على إفادات عقارية وسندات تمليك وشهادات قيد لكل ما يملكه». وعليه فإن ملكية العقار تعود للشقيقين معيكي، لكن أحدهما منح حبيش عند كاتب العدل أوسع صلاحيات ممكنة للاستحصال على التراخيص اللازمة لاستثمار أراضيه. وفي الاتصال مع حبيش أمس، أشار إلى أن داني معيكي أجرى توكيلاً للمحامي مروان ضاهر وليس له شخصياً، بخلاف ما تبيّنه الوثيقة التي تنشرها «الأخبار».
الأمر الثاني يتعلق برئيس بلدية القبيات عبدو عبدو. فالأخوان معيكي تقدما بطلب إلى مجلس بلدية القبيات للموافقة على «استصلاح عقارهما» و»تحويل الصخور التي ستنتج من عملية الاستصلاح بواسطة فقاش صخر». لكن الطلب لم يعرض على مجلس بلدية القبيات. وبعد أسابيع، تحديداً في 25/11/2015، أعطى رئيس المجلس البلدي صاحب الكسارة المفترض كتاباً رسمياً غريباً (مستند رقم 2) يقول فيه إن الأخير تقدم بطلب للحصول على قرار من المجلس البلدي لتركيب كسارة منفردة في العقار رقم 3443، وبعد معاينة العقار المذكور تبين للبلدية مطابقة واقعه للشروط التي تسمح بإقامة كسارة. إلا أن المجلس البلدي لم يبت حتى تاريخه الطلب، فما كان من معيكي سوى حمل الكتاب والتوجه فوراً إلى الإدارات المعنية سعيداً بما فيه من دلالات من «الريس» على حتمية موافقة المجلس البلديّ. وهنا، لا بدّ من سؤال أجهزة التفتيش لرئيس البلدية عن خلفية كتابه الذي حصل صاحب الكسارة بموجبه على موافقة وزارتي الزراعة والبيئة، علماً بأن الفضيحة لا تنتهي هنا. فبعد شهر تقريباً من تاريخ كتابه، تحديداً في 30/ 12/ 2015، عرض الملف على المجلس البلدي (مستند رقم 3)، فقرر المجلس «رد الطلب بعدم الموافقة نظراً لوجود مستشفى في المنطقة، ودير أثري، واعتراض الأهالي، إضافة إلى الطابع العام السكني للمنطقة». لكن تبيّن أنه لم يتم إخطار أصحاب الطلب برفض المجلس البلديّ لطلبهم. فهم اكتفوا بكتاب رئيس المجلس البلدي ليحصلوا على الموافقات اللازمة من وزارتي الزراعة (مستند رقم 4) والبيئة. والسؤال الرئيسي الذي يفترض بوزارة الداخلية وهيئات التفتيش طرحه سريعاً على رئيس المجلس البلدي هو: كيف تمكن أصحاب العقار من أن يفتحوا طريقاً للوصول إلى أرضهم وجرفوا الساحة وأحضروا الآليات لبدء العمل من دون أن توقفهم شرطة البلدية أو تطلب مؤازرة القوى الأمنية لتوقيفهم، ما دام هناك قرار بلديّ بوقفهم عن العمل؟ ولماذا لم يراجع المجلس البلدي المحافظ ووزارتي الزراعة والبيئة لفتح تحقيق جدّي في الموضوع، ما دام بيان المجلس البلدي يقول إن هناك سكاناً ومستشفى وآثاراً؟ علماً بأن المداولات تشير الى أن رئيس المجلس البلدي عرض بإلحاح طلب الموافقة على الكسارة، لكنه ووجه بالرفض مجدداً.
وكان أبناء القبيّات قد تصدّوا باكراً لمشروع الكسارة، وقد أُعدّت كتب العرائض ووقّعها الأهالي، وتم رفعها إلى رئيس البلدية، ومسؤولين معنيين آخرين، لكن عبدو لم يبادر الى التحرك إلا حين استشعر حبيش خطراً يحدق بصورته التي تعرضت للأذى منذ خرجت إلى الضوء قضية قطع آلاف الأشجار بهدف شق طريق يصل إلى قصر قيد البناء في القبيات.