يداً بيد، دخل الرئيس سعد الحريري ورئيس القوات اللبنانية قاعة البيال، الثلاثاء الماضي، في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري. في السنوات الماضية، اعتاد جعجع أن يسبق الحريري الذي غالباً ما دخل قاعة الاحتفال وحيداً خاطفاً الأضواء.في زحمة الأحداث، قد يمر هذا المشهد من دون اهتمام كبير.

لكن العارفين بأجواء الرجلين يؤكدون أنهما خطّطا له بعناية، وأرادا منه توجيه رسائل في أكثر من اتجاه، إحداها الى رئيس الجمهورية ميشال عون. التصريحات الأخيرة لجنرال بعبدا عن المقاومة وسلاحها لم تنزل على الحريري وجعجع برداً وسلاماً. عون بعد الرئاسة لا يزال كما كان قبلها، وعلاقته بحزب الله ثابتة وصلبة، والآمال التي علّقاها على سلخه عن السيد حسن نصرالله ذهبت أدراج الرياح، علماً بأنهما، في سعيهما لتحقيق هذا الهدف، كادا أن يخسرا تحالفهما، أو خسراه بالفعل.
لا يحبّذ الحريري وجعجع العودة إلى مشهد الانقسام الذي خلّفه اغتيال الحريري بين فريقي 8 و14 آذار. لكنهما قد يجدان نفسيهما مضطرين إلى ذلك، ما دام هناك من لا يريد وضع الملفات الخلافية جانباً، وتحديداً سلاح حزب الله وقتاله في سوريا. وهنا، المعادلة هي الآتية: «إن عدتم إلى ما قبل عهد عون... عُدنا، وأي تشديد على عمق العلاقة بين طرفي مار مخايل سيقابله تأكيد على ما تجمعه ثورة الأرز»، و«الاصطفاف الذي عُلق بعد انتخاب الرئيس يُمكن استئنافه في حال الإصرار على إعادة وضع المسائل الخلافية على الطاولة بعد الاتفاق على تحييدها». بحسب المصادر، «14 آذار ليست فارس سعيد ولا سامي الجميل ولا بطرس حرب والآخرين، بل هي سعد الحريري وسمير جعجع معاً، ومتى قرر الثنائي إعادة وصل ما انقطع، يصبح الباقي تفاصيل».

تريد معراب وبيت الوسط التأكيد للرياض أنهما العقبة الوحيدة في وجه حزب الله


الرسالة الثانية انتخابية. فرغم أن كل الوقائع، بعد توقيع ورقة إعلان النوايا بين القوات والتيار الوطني الحرّ، ترجّح تحالفهما انتخابياً، حاول جعجع إظهار حرصه على مكانة تيار المُستقبل وإمكان إعادة إنعاش التحالفات السابقة، ما دامت «الثوابت الاستراتيجية» التي تجمع معراب ببيت الوسط أقوى من تلك التي تجمعها ببعبدا. وطالما أن عون لا يزال يحاول تأمين شرعية لحزب الله، سيكون هناك مسعى قواتي دائم لإظهار الحريري الزعيم الأول في الشارع السني، عبر دعمه داخل الحكومة، وبالإصرار على رفض أي قانون انتخابات لا يتناسب ومصلحة رئيس الحكومة، وصولاً إلى تشكيل لوائح مشتركة في عدد من المناطق. في المقابل، يبحث الحريري عن ظهر مسيحي قوي في معاركه السياسية، في ظل عدم ثقته بعون، وتراجع علاقته بالرئيس نبيه برّي، وضعف دور النائب وليد جنبلاط.
الرسالة الثالثة ذات بعد سعودي. أراد الحريري وجعجع، بحسب المصادر نفسها، أن يحفظا لفريق 14 آذار المتهالك ماء وجهه أمام المملكة العربية السعودية. فمع عودة الأخيرة إلى المشهد اللبناني، والانفتاح على العهد العوني، تريد معراب وبيت الوسط التأكيد أنهما العقبة الوحيدة في وجه حزب الله. وأنهما معاً، يداً بيد، يشكلان الضمانة لعدم فرض حزب الله سيطرته على المؤسسات في حال عدم وقوف رئيس الجمهورية في وجهه.