عقد مجلس الوزراء جلسة أمس خصصت لدراسة مشروع قانون موازنة 2017. المداخلات لم تتطرق إلى تفاصيل مشروع الموازنة لجهة بنود النفقات والإيرادات، بل بقي الأمر ضمن «النقاش العام»، على حدّ تعبير أحد الوزراء. تمحورت المداخلات التي قدّمها الوزراء حول تركيبة الموازنة لجهة أمرين أساسيين؛ الأول يتعلق بإدراج سلسلة الرتب والرواتب ضمن الموازنة، والثاني يتعلق بالبنود الضريبية الواردة في المشروع.
بحسب مصدر وزاري، فقد برزت وجهات نظر متباينة من هاتين النقطتين، من دون أن تخرج الجلسة بموقف حاسم منهما، إذ طُرحت تساؤلات عن أسباب إدراج سلسلة الرتب والرواتب ضمن الموازنة وعن توقيت إقرار السلسلة، فيما كانت دراسة السلسلة وتمويلها في السابق منفصلين عن الموازنة. وطرحت أيضاً هواجس حول البنود الضريبية وأثرها على الاقتصاد وعلى بعض القطاعات، «إلا أن هذه الهواجس والتساؤلات لم ترقَ إلى موقف يعبّر عن آراء الكتل السياسية التي ينتمي إليها الوزراء، أي إن المواقف الفردية والخبرات الشخصية لكل وزير هي التي طغت على المداخلات»، بحسب تعبير المصدر الوزاري نفسه.
هذا النقاش العام ترك انطباعاً في مجلس الوزراء أن المواقف غير محسومة، ولا سيما أن وزراء من الكتلة الواحدة قدّموا مداخلات غير منسجمة بعضها مع بعض، فضلاً عن أن مواقف بعض وزراء التيار الوطني الحرّ جاءت مختلفة عن موقف رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يعكف على دراسة الموازنة بنداً بنداً، ولا يتخذ موقفاً سلبياً من إقرار سلسلة الرواتب ولا من بعض الإجراءات الضريبية التي تصيب الريوع والثروات. ينفي مصدر وزاري من التيار ذلك، ويرد بأن جميع الوزراء كانوا في جلسة أمس مع فصل الموازنة عن السلسلة، وبالتالي مع مراعاة أوضاع الاقتصاد والمؤسسات، وعدم فرض أعباء ضريبية عليها في الظروف الراهنة.

يوجد ميل نحو إقرار موازنة بلا ضرائب وبلا سلسلة بحجّة انتظار موازنة عام 2018

في ظل هذه الأجواء، أجمع الوزراء على أمر واحد، وهو ضرورة إقرار قانون للموازنة بعد 12 سنة على عدم وجود مثل هذا القانون. وهو ما يعبّر عن وجود ميل نحو إقرار قانون لا يتضمن أي إصلاحات أو إجراءات جديدة، أي أن يتضمن فقط الايرادات كما هي والنفقات من دون السلسلة والاستثمارات المنتظرة بانتظار موازنة عام 2018، التي ستضعها حكومة جديدة منبثقة عن الانتخابات النيابية العتيدة، وهذا الميل يلتقي مع ما تروّج له الهيئات الاقتصادية تحت عنوان جديد من عناوين «الميثاقية»، بمعنى أنه لا يجوز لهذه الحكومة ولمجلس نيابي ممدد له أن يقرّ سلسلة الرواتب والضرائب على أبواب انتخابات نيابية!
إذاً، بقي مشروع الموازنة من دون مناقشة، وتم الاتفاق على عودة كل وزير إلى مرجعيته السياسية لتحديد موقف نهائي من إقرار السلسلة ضمن الموازنة، ومن الاجراءات الضريبية. يقول المصدر الوزاري: «الكل اتفق على أن يكون جاهزاً للمناقشة يوم غد الجمعة، ويحمل موقفاً حاسماً من كتلته السياسية».
ما حصل أثار المخاوف من رضوخ مجلس الوزراء للضغوط التي تمارسها جمعية المصارف والهيئات الاقتصادية الأخرى لمنع أي إصلاح ضريبي يصيب أرباحها الطائلة المحققة، إذ إن بعض الوزراء تحدّثوا باسم المصالح المصرفية والعقارية. فعلى سبيل المثال، كان لوزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري مداخلة تتحدث عن عدم عدالة فرض ضريبة أملاك مبنية على الشقق الشاغرة، وعن ضرائب تمييزية تطاول المصارف مثل زيادة الضريبة على الفوائد وإلغاء تنزيلها من ضريبة أرباح المصارف، وكذلك رفض زيادة معدل الضريبة على أرباح الشركات... والتقى خوري (وهو مصرفي) مع مواقف وزراء آخرين عبّروا بصراحة عن كونهم مستثمرين في العقارات وفي السندات المالية والودائع!
بدء دراسة بنود مشروع الموازنة بات مرتبطاً بالمواقف التي ستظهر خلال جلسة يوم غد، وهذا لا يعني أن النقاش المتعلق بالسلسلة والضرائب سيُحسم، ولا سيما أن هذا النقاش مضى عليه سنوات، وكانت الهيئة العامة لمجلس النواب قد أقرّت مشاريع القوانين الضريبية من دون إقفال محضر الجلسة حينها، وبالتالي من دون نشر هذه القوانين في الجريدة الرسمية وإعطائها طابعاً تنفيذياً، ما أبقى السلسلة والضرائب معلقتين. وكان وزير المال علي حسن خليل قد علّق على «الضجة» المثارة حول البنود الضريبية، بالإشارة إلى أنها أقرّت في الهيئة العامة حيث كل القوى السياسية ممثلة ووافقت عليها، فلماذا اليوم بالتحديد بدأت تخرج أصوات رافضة لها؟
جلسة أمس كانت بمثابة مقدمة لإلغاء الحديث عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب، انطلاقاً من كونها أمراً غير مرغوب فيه حالياً. وهذا يعني عملياً أن الدولة ستخضع مجدداً لمصالح الهيئات الاقتصادية التي ترفض دفع الضرائب، وبالتالي سيعود الحديث لينحصر بالشعارات عن وقف الفساد والهدر من أجل تمويل السلسلة. وهو المنطق نفسه الذي ورد على لسان بعض الوزراء الذين يثيرون موضوع البنود الضريبية ويهوّلون بأن أثرها على النموّ الاقتصادي سيكون مدمّراً.