نجح أصحاب الرساميل والثروات (حتى الآن) في فرض خطاب «شعبوي» ضد أي زيادة على الضرائب. شكّل هؤلاء قوّة ضغط ملحوظة في الاحزاب الممثلة في السلطة وفي الإعلام، من أجل إجهاض الإجراءات المقترحة في مشروع قانون موازنة عام 2017، وتصويرها كلّها (من دون أي تمييز) كإجراءات «غير شعبية» ترتّب المزيد من الضرر على الطبقات الوسطى والفقيرة، وتؤدي الى المزيد من التراجع في النشاط الاقتصادي... في الواقع، ليس كل الإجراءات المقترحة «خبيثة»، بل بعضها «حميد» وينبغي فرضه بمعدلات أعلى بكثير مما هو مقترح، بحسب ما أدلى به 7 خبراء استطلعت «الأخبار» مواقفهم.
ما يجدر رفضه من هذه الإجراءات هو ما يصيب الأسر في استهلاكها ومداخيل العمل وأرباح المنتجين، ولا سيما زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10% الى 11% وسائر الرسوم والضرائب غير المباشرة. إلا أن الإجراءات الاخرى التي تصيب الريوع والارباح والثروات يجدر دعمها وتشجيعها، ولا سيما ما يتعلق منها بزيادة معدّل الضريبة على ربح الفوائد من 5% الى 7%، وتكليف المصارف بهذه الضريبة بعدما تهرّبت من تسديدها طيلة السنوات الماضية على الرغم من الارباح الكبيرة التي تجنيها. كذلك ما يتعلق بزيادة معدل الضريبة على شركات الأموال من 15% إلى 17%. وأيضاً فرض ضريبة بمعدل 15% على أرباح التفرغ عن العقارات، إذ لا يُعقل أن تكون أرباح المضاربات العقارية التي رفعت أسعار الاراضي والشقق معفاة من أي ضريبة. كذلك يجدر التشجيع على فرض ضريبة على العقارات غير المستعملة والشقق الشاغرة لتشجيع أصحابها على استثمارها أو تأجيرها أو بيعها بأسعار أدنى ممّا هو معروض. وأيضاً يجدر التشجيع على فرض الغرامات على احتلال الاملاك العامة.... هذه الإجراءات تنطوي على إصلاح، ولو بسيط، في بنية الاقتصاد وقدر قليل من العدالة المفقودة في النظام الضريبي القائم، الذي طالما عاقب الفقراء والمنتجين وكافأ الأثرياء والريعيين.
يطغى الآن خطاب «أبلسة» فرض الضرائب بالمُطلق. تقود هذا التوجه الهيئات الاقتصادية، المُتضررة الأولى من فرض هذه الضرائب وإقرار سلسلة الرواتب وزيادة النفقات الاستثمارية على البنى التحتية والخدمات، التي أُهملت منذ سنوات نتيجة غياب إقرار الموازنات أولاً. في هذا السياق، تعقد جمعية المصارف اجتماعاً استثنائياً يوم غد الاربعاء لمناقشة انعكاس الضرائب الجديدة على القطاع المصرفي. في هذا الاجتماع ستظهر حقيقة الخطاب الرافض للضرائب والمصالح التي تقف خلفه.

شربل نحاس




يقول نحاس إن هناك حاجة لزيادة معدلات الضرائب، نظراً إلى "إرث الدين العام اللعين"، لافتاً الى أن الاقتصاد اللبناني لا يتحمّل بعد الآن انكماشاً في الاستثمارات والخدمات الأساسية، كذلك لا يتحمّل انكماشاً في الدخل والاستهلاك للفئات العاملة. هكذا يردّ نحاس على التهويل بمسألة الانكماش الاقتصادي الذي تلوّح به الهيئات الاقتصادية كنتيجة لفرض ضرائب على أرباح ذوي المداخيل الريعية.
أمّا من عليه أن يتحمّل هذه الزيادات، وفق نحّاس، فهم جميع أصحاب المداخيل الريعية التي لا تُساهم في الإنتاج ولا تخلق فرص عمل ولا تُساهم في تحقيق التوازن في الميزان التجاري، وبالأخص فرض ضرائب على أرباح تجارة العقارات وأرباح تبادل السندات المالية.
وفق نحاس، لا مناص من فرض الضرائب كإجراء يُعزز مداخيل الدولة، ولا يمكن لأي إجراء بديل (يقترحه عادة المتضررون من فرض الضرائب وهم غالبيتهم من أصحاب الرساميل) أن يؤدي المهمة التي تؤديها الضرائب، لكنه يلفت الى نوع الضرائب المفروضة. وهنا يقول نحاس إنه لا يجوز أن يكون اقتطاع الضرائب من مداخيل العمل ومن أرباح الشركات المنتجة (تبلغ نسبة الضرائب المقتطعة من هذه المداخيل 25%) أعلى من الضرائب على المداخيل الريعية (تبلغ نسبة الضرائب المقتطعة على الفوائد 5% وعلى أرباح تجارة الاراضي 5%).
يختم نحّاس بالقول إن تعديل النظام الضريبي ضروري، ليس فقط من أجل تعزيز مداخيل الدولة فقط، بل لأنه حاجة لتحسين الأداء الاقتصادي وتوجيه الموارد وطاقات العمل نحو الإنتاج وخلق فرص عمل.

* الأمين العام لحركة مواطنون ومواطنات
في دولة ــــ وزير سابق

روي بدارو




يقول الخبير الاقتصادي روي بدارو إن الطرح يجب أن يرتكز على مسألة كيفية زيادة مداخيل الدولة، سواء عبر الايرادات الضريبية أو غير الضريبية، مُشيراً الى أن مسألة زيادة المداخيل لا تكون بالضرورة عبر زيادة الضرائب.
من هنا، يرى بدارو ضرورة التوجه الى معالجة مسألة التهرّب الضريبي وتخفيض عدد المكتومين، أي المتهربين من الضرائب. برأيه، تُشكّل ضرائب المتهربين نحو 40% من حجم الدخل الإجمالي، سواء كان تهرّبهم بطريقة مُنظّمة أو غير منظّمة.
يُشير بدارو الى أن مسألة معالجة الواقع الضريبي في لبنان شائكة، على اعتبار أن «زيادة الضرائب تؤدي الى الانكماش، وأن عدم زيادة الضرائب تؤدي الى عجز في مالية الدولة، وبالتالي الى الانكماش». وهنا، يلفت بدارو الى أن المسألة تتعلّق بـ»نوع الضرائب الواجب فرضها»، مشيراً الى ضرورة تخفيف العبء الضريبي على رب العامل والعامل على حدّ سواء، بمعنى تخفيف الضغط على أي طرف يخلق وظيفة.
هل يتحمّل الاقتصاد الوطني المزيد من الضرائب؟ الاقتصاد اللبناني مُجبر على تحمّل الضرائب، يجيب بدارو، مُجدداً طرح مسألة البحث في «نوعية الضرائب»، ولافتاً الى ضرورة معالجة مسألة الهدر والمحاصصات السياسية التي تُشكّل عائقاً أمام زيادة مداخيل الدولة.

* خبير اقتصادي

سمير المقدسي




يقول المقدسي إنه بحكم العجز الكبير في الميزانية، لا بد، بدايةً، من أن ننظّم الإنفاق بعقلانية، بهدف التخلص من ممارسات الإنفاق الفاسدة والمسرفة. وإذا كان هناك، بعد ذلك، حاجة إلى رفع عائدات الضرائب، لا بد لأي زيادة في معدلات الضرائب من أن تبنى على أسس عادلة، بحيث تحدد الضريبة بحسب القدرة، كما يحدد حدّ أدنى للدخل يُعفى كل من يقع دونه من الدفع.
ويدعو المقدسي الى استشارة خبراء الضرائب في وضع أي قانون ضريبي جديد. ففي الأعوام الماضية، تم تجاهل مسألة عقلنة الإنفاق العام، ما نتج منه دين عام متنام، يشكّل عبئاً على الاقتصاد الوطني. وتتعلق مشكلة عقلنة النظام الضريبي بأزمة الحكم في لبنان، إذ ما دام مستوى الحكم متدنياً، سيبقى مستوى المساءلة كذلك، ولذلك ليست المشاكل المتعلقة بالموازنة إلّا وجهاً من أوجه الأزمة الوطنية. من هذا المنطلق، يرى المقدسي أنه يجب أن تكون نقطة البداية عند إصلاح المؤسسات الحكومية. وقد لا يمانع المواطنون دفع ضرائب (عادلة) أعلى، إذا آمنوا بأنهم يحصلون في المقابل على الخدمات الحكومية المناسبة. ولكنهم بالتأكيد سيمانعون دفع ضرائب أعلى لتمويل الفساد الحكومي.

* أستاذ فخري في الاقتصاد والمدير المؤسس لمعهد الاقتصاد المالي في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)- وزير سابق.



عبد الحليم فضل الله




يرى فضل الله أن الاقتصاد الوطني بحاجة الى نظام ضريبي جديد يؤمن العدالة الضريبية التي تُنصف المُستهلك والمنتج، لافتاً الى أن رفع معدلات الضرائب حالياً يجب أن لا يتحمّلها المُستهلك والمنتج، بل «يجب أن يتحمّلها أصحاب الريوع». يُركّز فضل الله على أنه في ظل العبء الاجتماعي الذي يرزح تحته المُستهلك والمنتج، ليس المطلوب زيادة معدلات الضرائب غير المباشرة التي تؤثر على المذكورين. من هنا، يلفت فضل الله الى ضرورة إقرار قانون الضريبة الموحدة على الدخل بشكل لا يؤثر على المُستهلك، ما يؤدي الى تفعيل الضريبة التصاعدية. ووفق فضل الله، إن الضريبة التصاعدية بشكلها الراهن «ليست إلا شكلية». كذلك يُشير فضل الله الى ضرورة «التوازي بين الضرائب المباشرة التي تُشكل 30% من مجمل الضرائب والضرائب غير المباشرة التي تُشكل نحو 70% من مجمل الضرائب». برأيه، يجب أن تُرفع معدلات الضرائب المباشرة، ذلك أنها «أكثر عدالة». أما المُشكلة الواجب معالجتها، وفق فضل الله، فهي مسألة التهرّب الضريبي «الذي غالباً ما يلجأ اليه النافذون»، لأن معالجة هذه المُشكلة من شأنها أن تُعزّز الايرادات.

* رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق - أستاذ محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال



إيلي يشوعي




يرى يشوعي أن لبنان لم يعد "جنة ضريبية" كما يجري الترويج له، ويلفت الى أن الأكلاف التي تتكبّدها الأسر لقاء الخدمات التي تحصل عليها تُعدّ باهظة جداً، مُشيراً الى أن الضرائب باتت تُشكّل نحو 35% من مداخيل الأُسر. ينطلق يشوعي من هذه النقطة ليُشير الى أن الواقع الحالي للأسر، في ظل الركود الاقتصادي الراهن، لا يتحمّل زيادة الضرائب غير المباشرة التي تقع على عاتق هؤلاء. وهنا يُشير الى ضرورة زيادة الضرائب الشخصية لتغذية مداخيل الدولة وتوسيع الصحن الضريبي. ويرى يشوعي أن زيادة الضرائب يجب أن تكون على ذوي المداخيل المرتفعة لتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية والضريبية. ويختم بضرورة معالجة مسألة التهرّب الضريبي والالتفات الى المحاصصات والفساد الذي يفتك بالنظام الاقتصادي. هذا الفساد، برأيه، عائق أمام تعزيز مداخيل الدولة.

* عميد كلية إدارة الأعمال والاقتصاد في جامعة سيدة اللويزة


غسان ديبة




يرى ديبة أن هناك ضرورة لزيادة إيرادات الدولة عبر زيادة الايرادات الضريبية، لأن هناك حاجة لزيادة النفقات الاستثمارية على البنى التحتية التي أُهملت منذ عشر سنوات نتيجة غياب إقرار الموازنات، «وبالتالي من الضروري عند إقرار أول موازنة بعد هذا الانقطاع أن يتم زيادة النفقات على البنى التحتية». كذلك، فإن زيادة إيرادات الدولة تُعدّ ضرورة، برأي ديبة، من أجل زيادة النفقات الاجتماعية ومن أجل إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي لا يمكن تجاهلها. يقول ديبة إنه ليس هناك ما يُسمى عدم تحمّل الاقتصاد الوطني المزيد من الضرائب بالمطلق، لافتاً الى تحديد نوع الضرائب التي يجري الحديث عن ضرورة زيادتها. وهذا يعني ضرورة إقرار الضرائب على الثروة التي لا تلحظها الموازنة الجديدة، كذلك إقرار الضرائب على المداخيل الريعية والربح العقاري وزيادة الضرائب على الفوائد والمصارف. اللافت هو ما يُشير اليه ديبة، وهو أن هذه الزيادات التي تفرضها الموازنة الجديدة على هذه الفئة المذكورة (المصارف وذوي المداخيل الريعية) تبقى قليلة جداً مقارنة مع الدول الأخرى. وهنا يلفت الى ضرورة مواجهة «أبلسة» الضرائب التي تُسوّق لها الهيئات الاقتصادية كي تتهرّب من دفع الضرائب على أرباحها، لافتاً الى أن نسبة العبء الضريبي منخفضة جداً نسبة الى الناتج المحلي. أما الضرائب غير المباشرة التي تتمثل في الرسوم التي تدفعها الطبقات العاملة، فيرى ديبة أنه لا ينبغي زيادتها.
يختم ديبة بالقول إن الإجراءات البديلة التي تُروّج لها الهيئات الاقتصادية لتجنّب إقرار الضرائب كـمحاربة الفساد ومعالجة التهرّب الضريبي ليست هي المسألة المطروحة، لافتاً الى أن الترويج لأي بديل من فرض ضرائب على أصحاب الاموال هو محاولة لتجنيب هؤلاء دفع ضرائب على أرباحهم.

* رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية




شربل قرداحي




يقول قرداحي إن مجمل ما يدفعه اللبنانيون من ضرائب ورسوم لا تتجاوز نسبته 19% من مجمل الناتج المحلي الإجمالي، وهي «نسبة متدنية جداً مقارنة مع الدول الاخرى، إذ تبلغ نحو 42% في فرنسا مثلاً».
يشير قرداحي الى أن 75% من الضرائب هي ضرائب ورسوم غير مباشرة، «وهو ما ينمّ عن عيب أساسي في تركيبة الضرائب في لبنان». ينطلق قرداحي من هذا السرد ليقول إن هناك حاجة الى إعادة النظر في تركيبة الضرائب غير المتوازنة وغير «الصحية». ويقصد أن نسبة الضرائب المباشرة من الناتج المحلي الاجمالي لا تزيد على 5%، كذلك فإنها لا تزيد على 25% من مجمل الضرائب والرسوم في الوقت الذي تبلغ هذه النسبة 61% في أوروبا، ليخلص الى ضرورة تعديل هذه التركيبة لتصبح متوازنة وصحية.
يرى قرداحي أن الموازنة الجديدة تتضمّن بعض الإجراءات التي تتسم بالإيجابية، ولعل أهمها إجراء إلغاء حق الحسم للمصارف (الإعفاء من موجب الضريبة على الفوائد). برأيه، «إن كل من يتصدى لهذا الإجراء في الموازنة، إنما يتصدى لإجراء إصلاحي في بنية الضرائب الموجودة منذ سنوات».

* خبير مالي