سرقت لقاءات ما قبل جلسة مجلس الوزراء أمس، ولا سيّما لقاء الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، ولقاء عون والوزير نهاد المشنوق، الأضواء من جلسة مجلس الوزراء نفسها. فالجلسة التي خُصِّصَت في جزئها الأهمّ لمناقشة «فذلكة الموازنة» التي شَرَّحَها وزير المال علي حسن خليل على مدى أكثر من ساعة، غاب عنها أي نقاش حول قانون الانتخاب، ولا سيّما بعد عدم طرح المشنوق مسألة دعوة الهيئات الناخبة، التي يصرّ وزير الداخلية على دعوتها قبل 3 أشهر من نهاية ولاية المجلس النيابي. ومما لا شكّ فيه، أن لقاء عون ــ الحريري وعون ــ المشنوق، جاء على خلفيّة المواقف الأخيرة التي أطلقها المشنوق في الأيام الماضية، موجّهاً كلامه إلى رئيس الجمهورية، ومنتقداً تلويح الأخير بالفراغ، وهو يعبّر ضمناً عن قلق الحريري نفسه، الذي على الرغم من قلقه، يحاول اللّحاق برئيس الجمهورية و«تدوير الزوايا».
وبدت مقابلة المشنوق أمس عبر قناة «أو تي في»، التي أوضح فيها الوزير خلفيات مواقفه بخطاب هادئ حيال رئيس الجمهورية، تمهيداً للقاءات الصباحية مع عون، بعد حديثٍ عن انزعاج الرئيس من كلام المشنوق. فالمقابلة أُجريت مع المشنوق أول من أمس، وتأخّر بثّها حتى مساء أمس، «لأسباب تقنية». وعلمت «الأخبار» أن وزير الداخلية وضع رئيس الجمهورية في أجواء إصراره على دعوة الهيئات الناخبة، والمسؤولية الدستورية التي تقع على عاتقه كوزير للداخلية، بعيداً عن الخلافات السياسيّة.

أمام الحريري خيارٌ واحد هو القبول بمشروع قانون حكومة ميقاتي وإلّا فالفراغ

وأكّد المشنوق أن من واجبه دعوة الهيئات الناخبة ورفع المرسوم إلى الحريري، وعندها يبقى للحريري وعون تقرير مصير المرسوم في السياسة. وبحسب المصادر، فإن رئيس الجمهورية أبدى تفهّمه لموقف المشنوق، لكنّه أكّد في المقابل أنه سيكون هناك قانون انتخابي قبل نهاية شهر شباط الحالي، وهو ما قاله عون والحريري في جلسة مجلس الوزراء. وبحسب المصادر أيضاً، فإن كلام عون والحريري بثقة عن أن قانون الانتخاب سيبصر النور قبل نهاية الشهر، جاء نتيجة للخلوة التي جمعت الرجلين قبل جلسة مجلس الوزراء، ويشير إلى «تطوّر ما» في سياق البحث عن قانون جديد.
ومع أن الفراغ ليس حتميّاً حتى اللحظة، إلّا أن الخيارات تضيق، وتضيق معها المهل الزمنية، في ظلّ رفض الحريري السير بقانون نسبي، مع سقوط اقتراحات القوانين المختلطة. وتقول مصادر سياسية متابعة، إن «الرئيس عون مصمم على النسبية الكاملة، ومعه حزب الله وحركة أمل، ولكن في أسوأ الأحوال يقبل بمشروع القانون النسبي على أساس 13 دائرة الذي تقدّمت به حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، مع إدخال بعض التعديلات عليه». وتقول المصادر إن «الخيارات باتت ضيّقة أمام الحريري، مع رفضه التام للنسبية الكاملة، فإمّا أن يقبل بالنسبية على أساس قانون ميقاتي، وإمّا أن ينفّذ رئيس الجمهورية تحذيراته بالسير نحو الفراغ والأزمة المفتوحة». وترجّح المصادر بناءً على سياق الأداء الحريريّ منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية وتنازله عن ترشيح رئيس القوات سمير جعجع ثمّ ترشيحه للنائب سليمان فرنجية ثمّ انتخابه عون، مروراً بتشكيل الحكومة الأخيرة، وليس آخراً التحوّل في مواقف المشنوق بعد الاتصالات بين عون ورئيس الحكومة، أن الحريري سيخضع في نهاية الأمر لرؤية رئيس الجمهورية، خوفاً من خسارة الصيغة الحالية بالكامل. وكشفت مصادر سياسية رفيعة المستوى أن جلسة الحوار الأخيرة بين حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة قبل أيام، شهدت تحوّلاً كبيراً في موقف «المستقبل» من النسبية. فللمرّة الأولى، عبّر مدير مكتب رئيس الحكومة، نادر الحريري، عن نيته دراسة مشروع حكومة ميقاتي، وهو ما اعتبرته المصادر تراجعاً أولياً من الحريري عن موقفه الرافض بالمطلق لأي بحث في النسبية. وأكّد هذا الانطباع دخول نادر الحريري في نقاش مع المتحاورين حول «مشروع ميقاتي»، كسؤاله عن سبب ضم المنية الضنية إلى عكار لا إلى طرابلس؛ ومدينة صيدا إلى دوائر أخرى كصور والزهراني وجزين، ما يجعل «الصوت الشيعي» حاسماً في أي انتخابات؛ وسؤاله عن سبب فصل البقاع الغربي عن زحلة. وفيما بدا طرح نادر الحريري دليلاً على فتح باب النقاش المستقبلي حول النسبية، قالت مصادر المتحاورين في عين التينة إن «موقف نادر الحريري لا يُعد تراجعاً مستقبلياً عن رفض النسبية، لكونه حتى الآن نقاش شكليّ لا أكثر، بعدما أبلغ حزب الله وحركة امل تيار المستقبل برفضهما للقانون المختلط الذي بات على أكثر من 30 صيغة، وتعذّر اتفاق أي قوتين سياسيتين على صيغة واحدة بمعايير موحدة».
وبدا لافتاً أمس تدخّل سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان كريستينا لاسن، بالشأن اللبناني بنحو فجّ، بعد أن زارت الداخلية على رأس وفدٍ ضم سفراء وممثلي 19 دولة أوروبية. وأصدر مكتبها بياناً بعد الاجتماع أكّد فيه أن «سفراء الاتحاد الأوروبي اجتمعوا مع الوزير المشنوق للبحث في التحضيرات والإجراءات المتخذة للانتخابات النيابية المقبلة في لبنان»، وأن «الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يتابعون باهتمام محادثات ونقاشات كل الأطراف اللبنانية المعنية»، مشيرةً إلى أن «التوافق على قانون انتخابات جديد يمكن أن يؤدي إلى تأجيل تقني للانتخابات، ونتطلع إلى أن يكون هذا التأجيل تقنياً وقصير الأمد».
وفيما كان المشنوق يذكّر دائماً بموعد 21 شباط لدعوة الهيئات الناخبة، إلّا أنه ذكّر بعد لقائه الوفد الأوروبي بأن «المهلة الأخيرة لدعوة الهيئات الناخبة تكون في 18 آذار. ومن هنا لا داعي للكلام عن فراغ مؤسساتي».