في حديث إذاعي قبل ثلاثة أيام، وصف النائب في حزب القوات اللبنانية أنطوان زهرا، حزب الكتائب بأنه «حزب أساسي، ولكنه ليس من الصف الأول». تمكن زهرا، الذي قرر عدم الترشح إلى الانتخابات النيابية المقبلة، من تصنيف أحد أقدم الأحزاب اللبنانية على اعتبار أنّ الحزب الذي ينتمي إليه شريك أساسي في التسوية السياسية التي أوصلت العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا وأعادت النائب سعد الحريري إلى السرايا الحكومية.
«ناضلت» القوات اللبنانية كثيراً، منذ خروج رئيسها سمير جعجع من السجن، حتى تنتقل إلى «الصف الأول» للأحزاب السياسية. بدأت بتنصيب نفسها «الحليف المسيحي» الأول لتيار المستقبل وللمملكة العربية السعودية، حتى باتت رأس حربة في الدفاع عن هذا المشروع الإقليمي. بعد ١١ سنة (رقم طابع في الوجدان القواتي، لكون قائدها أمضى عدد الأعوام نفسه في السجن)، استحصلت من التيار الوطني الحر على «صك براءة» عن تاريخها في الحرب الأهلية، بعد توقيع ورقة النوايا بين الحزبين، علماً بأن القوات حُمِّلَت وزر الحرب وحيدة، مقارنة بكل القوى الأخرى التي أراقت الكثير من الدماء ودخلت السلطة من بوابة اتفاق الطائف.

تقول شخصية
قواتية رفيعة إن باسيل استثنى القوات من «الرباعية» لينفرد بالقرار المسيحي


حجزت القوات لنفسها كرسياً على طاولة «المحاصصة» السياسية، فارضةً نفسها كأحد الممرات الأساسية من أجل إنضاج التسويات. وهي، كما يقول سياسيوها، حققت هدفها بعد تشكيل الحكومة بحصولها على حصة كبيرة مقارنة بحجمها النيابي، رغم أنّها تنازلت عن مطلبين عدتهما أساسيين: الحصول على حقيبة سيادية، وبعد أن تعذر الأمر اعتبرت أن حقيبة الأشغال العامة من حصتها، قبل أن يتبين أن الرئيس نبيه بري لم يتنازل عنها.
في الشكل، تستطيع القوات اللبنانية أن تُخبر الكثير عن «الغنائم» التي حصدتها منذ سنة حتى اليوم، وبأنها قوة أساسية في البلد إلى جانب حليفها التيار العوني. ويستطيع سمير جعجع أن يستعد لبناء «الجمهورية القوية» بعد ست سنوات، هذا إن وجد الوزير جبران باسيل أن جعجع هو الأقوى مسيحياً، كما قال رئيس التيار الوطني الحر أخيراً. ولكن، تسقط كل التمنيات القواتية أمام الحائط التي ترفعه القوى السياسية في وجه معراب لحظة البحث الجدي بالتسويات الكبرى. المحاولات الأخيرة لإيجاد قانون جديد للانتخابات النيابية هي أحد الأمثلة، حين أعيدت القوات إلى «الصف الثاني» مع تيار المردة وحزب الكتائب والحزب الاشتراكي وكل الشخصيات المستقلة التي أصلاً لا تعترف الأحزاب بوجودها أو تعتبر أنّ هناك داعياً لتكون ممثلة. واستعيض عن كلّ القوى بلجنة رباعية مؤلفة من حزب الله، التيار الوطني الحر (رئيس الجمهورية ضمناً)، حركة أمل وتيار المستقبل من أجل التوصل إلى صيغة مشتركة للقانون. وكأنّ هذه القوى تريد القول إنها هي التي تختصر الوجود السياسي في البلد وحين تتفق يصبح من السهل تسويق اتفاقها لدى بقية الأحزاب.
تقول شخصية قواتية رفيعة المستوى إنّ «من يقف خلف استثناء القوات من الاجتماع الرباعي هو رئيس التيار الوزير «جبران باسيل، لأنه يريد أن يكون المفاوض الوحيد باسم المسيحيين، رغم أنه قام بواجباته وزار معراب قبل ليلة من اللقاء الأول وأطلع الحكيم على التطورات». يتقاطع حديث المصادر مع ما تنقله مصادر مطلعة على العلاقة بين الثنائي العوني ــ القواتي بأنّ «منسوب الشك بين الطرفين كبير، ولكن لا أحد يريد أن يُظهره إلى العلن لأن لكل منهما مصلحة بالآخر. كل منهما يريد استثمار تحالفه مع الآخر، ليحظى بالمركز الأول مسيحياً». مع الإشارة إلى أنّ «خصوصية القوات اللبنانية محفوظة في مشروع جبران باسيل الذي كانت تناقشه اللجنة. أقضية الشمال حيث نفوذها بقيت على التصويت الأكثري، وحيث هي بحاجة إلى تعزيز حضورها اعتُمدت النسبية».
أما مصادر معراب الرسمية، فتنفي ما سبق. بالنسبة إليها، «الاجتماعات بين مختلف القوى مفتوحة دائماً، ونحن لم نعتبر ولو للحظة أنّ اللقاء الرباعي استهداف لنا، خاصة أنه ليس طاولة حوار». إضافة إلى أنّ «حليفينا تيار المستقبل والتيار الوطني الحر موجودان في اللجنة». تعيد المصادر شرح نظرتها إلى قانون الانتخابات بأنه «ترسيخ للشراكة وإحياء للميثاق». بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة سعد الحريري، «نريد استكمال المسار من خلال التوصل إلى قانون مختلط يستعيد فيه المسيحي شراكته على مستوى النظام. إذا تمكنوا من الاتفاق على قانون، هل نكون مستائين؟». تعتبر القوات أنه لا توجد إمكانية إلا للاتفاق على قانون مختلط، «يقال إنهم سيعرضون مشروع قانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (النسبية في ١٣ دائرة)، إذا وافق عليه الحريري والنائب وليد جنبلاط فليتفضلا إلى معراب لنوافق».