"تختلف سيناريوهات السطو على الأملاك العامة البحرية من صور إلى الرملة البيضاء والدالية وكفرعبيدا وصولاً إلى ميناء طرابلس إلا أن النتيجة واحدة وكارثية"، هكذا مهّد عضو الحملة المدنية لحماية شاطئ الميناء المهندس وائل دبس الإعلان عن شراكة بين "الحملة المدنية لحماية شاطئ الميناء" وجمعيتي "المفكرة القانونية" و"الخط الأخضر" بهدف صدّ محاولة الاستيلاء على شاطئ ميناء طرابلس، بعدما بات التعاضد بين نشطاء المجتمع المدني أمراً واجباً.
فقد أعلنت الجهات الثلاث، في مؤتمر صحافي مشترك في الميناء، عن تقدمها بدعوى قضائية اعتراضاً على القرار رقم 21/2013 الصادر عن القاضي نزيه عكاري المشرف على أعمال الضم والفرز في الشمال، والذي قضى بإسقاط أملاك بحرية عامة إلى أملاك خاصة لصالح أفراد من آل شبطيني وآل حبيب بحجة أنها سقطت سهواً. يطالب المعترضون على القرار القضائي المذكور بالرجوع عنه وإلغاء آثاره. وكانت بلدية الميناء قد تقدمت باعتراض مماثل على القرار نفسه كونه يعتدي على الأملاك العامة البحرية ويقطع وحدة الشاطئ المصنف كمتنزه بحري عام وفقاً لمراسيم المخطط التوجيهي العام لكورنيش الميناء، إضافة إلى الاعتبارات القانونية الأخرى، ما دفع القاضي العقاري إلى تجميد الملف ووضع إشارة احترازية على الصحيفة العقارية فور تقدم البلدية بالاعتراض.

المهم إثبات حقوق
الناشطين والجمعيات البيئية في الدفاع عن الحق العام

جاء قرار القاضي عكاري بعد سلسلة طويلة من المحاولات على مدى عقود من الزمن ردت جميعها باستثناء الاستدعاء الأخير الذي طالب فيه ورثة فرنسيس وهبه الشبطيني بحصة قدرها 45 ألف متر مربع، ناتجة عن أعمال ضم وفرز العقار 220 بساتين الميناء البالغة مساحته 149990 متراً، شرق كورنيش الميناء، ادعوا بأنها سقطت سهواً، وأرفقوا طلبهم بمطالعة رئيس هيئة القضايا في وزارة الأشغال، وكتاب وزارة الأشغال 417/ص تاريخ 30/4/2013.
أكد الكتاب على اعتبار القسم الغربي الواقع بين الكورنيش – الأوتوستراد وحدود البحر جزءاً من العقار رقم 220 بساتين الميناء طرابلس وطلب إجراء المقتضى القانوني، بعد أن أفرز العقار المذكور إلى عدة عقارات، وتم تغيير أرقامها بفعل الضم والفرز وذلك تمهيداً لترقيم القسم الغربي وتسجيله نهائياً على اسم ورثة فرنسيس وهبة الشبطيني في السجل العقاري في الشمال. وعليه، ما كان من القاضي إلا أن كلف خبيراً ومساحاً محلفاً لإجراء مسح للمنطقة "الصخرية البحرية"، واعتبر القسم الغربي الواقع في حدود حرمة البحر قطعة سقطت سهواً بمساحة قدرها 29838 متراً، ووضعا لها الإحداثيات العقارية، ومن ثم استحدثت لها صحيفة عقارية برقم 1403.
ارتكزت الدعوى القضائية المقدمة من هيئات المجتمع المدني إلى عدد كبير من المخالفات القانونية الموجودة في قرار القاضي عكاري، أولها مخالفته مبدأ حماية الأملاك العامة وثبوت مخالفته المرسوم رقم 2366/2009 المتعلق بترتيب الأراضي اللبنانية، والمادة 2 من القرار 144/س الصادر عام 1925 الذي يعتبر أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطوط الرمل والحصى من ضمن الأملاك العامة، وبالتالي فإن هذه الأملاك لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن. كذلك فإن القرار يخالف المادة 31 من القرار 186 المتعلق بتحديد وتحرير الأملاك العقارية خلال عامين من التاريخ الذي يصبح فيه قرار تصديق المحاضر نافذاً، إضافة إلى وجود حكم صادر عام 1969 مصدق استئنافاً وله قوة القضية المحكمة لعدم وجود إبهام في قرار القاضي الأصيل، وعدم وجود خطأ مادي يستوجب التصحيح.
يقول المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية إن "الدعوى لها أربعة جوانب، أحدها أنها فصلت عقاراً عن الأملاك العامة بعد سياق فاشل من المحاولات، لحسن الحظ تدخلت بلدية الميناء ونحن تدخلنا لأننا مصرون على صون الملك العام وكل فرد مكلف بحماية الملك العام، ومن المهم أن نثبت حقوق الناشطين والجمعيات البيئية في الدفاع عن الحق العام"، مشيراً إلى أن "في بيروت تأخرت البلدية حتى تدافع عن أملاكها".
خطوة بلدية الميناء عززت أهمية التعاون بين الناشطين والمواطنين والبلديات، وقد أتت هذه الدعوى "دعماً للاعتراض المقدم من البلدية بعيداً عن أية ضغوطات أو حسابات سياسية قد تتعرض لها البلدية"، وفق دبس الذي أثنى على "قرار المجلس في رفع دعوى قضائية من أجل استرداد الشاطئ والاعتراض بالتالي على قرار التملك وعدم التخلي عن الدفاع عن الأملاك البحرية العامة وعن حقنا وحق الأجيال القادمة في الولوج إلى الشاطئ".
التخوّف من الضغوطات على البلدية نابع من اعتبار الجمعيات أن "الموضوع سياسي بامتياز وتدخل فاجر من قبل السياسة وسعي لمصادرة الملك العام"، كما يقول رئيس جمعية الخط الأخضر الدكتور علي درويش، الذي أكّد أن "سقوط أملاك خاصة سهواً هو كذب، والقانون حدد الأملاك العامة، والمعلومات كانت واضحة".
الجدير بالذكر أن وزير الأشغال السابق عمر مسقاوي كان قد ردّ على محاولة أخرى لطلب تصحيح خطأ مادي بصورة رضائية مع الدولة، تقدم به الورثة عام 1995 بأنه «من غير الممكن النظر بطلب تصحيح خطأ مادي، ثبت قضائياً عدم توفره بصورة قطعية»، وذلك استناداً لمطالعة هيئة التشريع والاستشارات بوزارة العدل رقم 92/553 لعام 1993 التي تبين أن القاضي العقاري الإضافي قد ردّ الدعوى لعدم وجود خطأ مادي يستدعي التصحيح، وقد استؤنف القرار استئنافاً وتمييزاً، وأصبح من غير الجائز معاودة البحث فيه لما يتمتع به الحكم الاستئنافي الصادر بتاريخ 11/2/1971 من حجية القضية المحكوم بها. يتساءل مسقاوي مستغرباً «كيف يفوت وزير الأشغال إجراء مطالعة قانونية توضح الوضع القانوني للملف والقرارات المتخذة فيه غير القابلة للطعن؟!». يرى مسقاوي بأن «على بلدية الميناء إقامة دعوى تنازعية بناء على التحليل القانوني المقدم في عهدي، على أن تنقل القضية من القاضي العقاري الإضافي إلى القاضي الأساس وأن تتحول إلى القضاء التنازعي وليس التصالحي لأن القضية نزاع على الملكية، وهذا ما تضمنه الحكم الصادر من محكمة التمييز عام 1971».
وكان وزير العدل السابق أشرف ريفي قد كلف مستشاره للشؤون القانونية القاضي محمد صعب بقضية العقار المذكور، وأرسل إلى النيابة العامة التمييزية كتاباً طلب فيه التحقيق في صحة وشفافية الإجراءات التي آلت إلى وضع أملاك عامة بحرية في ملك أفراد بما يضمن تطبيق القانون وصون الأملاك العامة ولا سيما الأملاك البحرية منها. كما طلب إحالة الملف على النيابة العامة المالية لإجراء المقتضى القانوني واتخاذ الإجراءات اللازمة.