لم يكن رحيل رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ أسد عاصي، الذي توفي أول من أمس، إيذاناً بغياب أول رئيس ملّي للطائفة العلوية في لبنان، بل هو مؤشر على غياب أحد الذين أسهموا في بروز الطائفة العلوية، واعتبارها واحدة من الطوائف الإسلامية الأربع في لبنان، بعدما بقيت بلا مجلس ديني حتى صدور قانون تنظيم شؤون الطائفة العلوية في 17/8/2007.لكن قبل ذلك التاريخ بأشهر، وتحديداً في 24/3/2007، انتخب عاصي رئيساً للمجلس الإسلامي العلوي ومحمد عصفور نائباً له، في جلسة عقدت في مقر المجلس في طرابلس.

غير أن هذا الانتخاب بقي معلقاً نتيجة عدم نيله اعتراف الحكومة التي كانت حينها برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، التي يتبع لها المجلس العلوي، شأن باقي المجالس الدينية الإسلامية السنّية والشيعية والدرزية، ريثما يتم التوصل إلى مخرج قانوني أو سياسي للخلاف الذي نشب حينها داخل الطائفة. غير أن التسويات اللاحقة التي حصلت في لبنان، أفضت إلى الاعتراف بعاصي ومجلسه. وجرى حينذاك تجاوز الخلافات التي نشبت بينه وبين أبرز داعميه النائبين السابقين علي عيد ومصطفى علي حسين من جهة، ومعارضيه وأبرزهم النائبان بدر ونوس وخضر حبيب المنتميان إلى كتلة تيار المستقبل من جهة أخرى، في حين وقف النائب السابق أحمد حبوس على الحياد، وتعايش الطرفان كأمر واقع في مرحلة دقيقة من تاريخ الطائفة في لبنان، كان فيها الموت يُغيّب تباعاً أطراف النزاع الذين لم يبق منهم حيّاً سوى حسين وحبيب.

الثوابت والقواعد ستبقى كما هي، لكن الأسلوب قد يتغير لمن سيأتي بعده

غياب عاصي جعل عصفور يتولى منصبه بالإنابة إلى حين انتخاب خلف له، ويدير شؤون المجلس والشؤون الدينية للطائفة التي يبلغ عدد أبنائها قرابة 70 ألف نسمة، ويتمركز نحو 60% منهم في مدينة طرابلس، و38% في عكار.
وعن موعد انتخاب خلف لعاصي، أوضح عصفور أن النظام الداخلي للمجلس «لم يحدد فترة زمنية لانتخاب رئيس خلفاً للرئيس المتوفى، لكن، وكي لا يحصل فراغ في المنصب، فإن نائب الرئيس هو الذي يتولى مهماته»، لافتاً إلى أنه «لا يوجد حالياً أي اسم مطروح لخلافة عاصي، لأنه لا يزال من المبكر الحديث في الموضوع».
وأشار إلى أن الرئيس الجديد للمجلس تنتخبه هيئة ناخبة مكوّنة من 15 عضواً، موزعين بين مدنيين وآخرين شرعيين، إلى جانب الرئيس ونائبه ونائبي الطائفة في المجلس النيابي»، ما يعني أنه حالياً، وبعد وفاة الرئيس وأحد نواب الطائفة هو النائب بدر ونوس، فإن أعضاء الهيئة الناخبة بات يقتصر على 13 عضواً فقط.
وعمّا إذا كان الرئيس المقبل للمجلس سيقابل باعتراضات من نائبي الطائفة كما حصل مع عاصي، أمل عصفور «حلّ كل الخلافات بالحوار»، معتبراً أن «من الأفضل عدم وجود اعتراضات على أي مرجعية دينية، سواء عندنا أو عند غيرنا، لأن المرجعية الدينية هي بمثابة أب لجميع أبناء الطائفة، وهي على مسافة واحدة من الجميع، لكن أحياناً يحصل تجيير الخلافات لحسابات سياسية، وهو أمر نتحمله، لأن كل المرجعيات الدينية في لبنان تتعرض لما نتعرض له».
في موازاة ذلك، رأت مصادر في الحزب العربي الديمقراطي، الذي كان أحد أبرز داعمي عاصي، أن «المؤسسات التي بناها الأوائل ممن سعوا لتحصيل حقوق الطائفة، ورعوها طيلة حياتهم، ستبقى مستمرة على نهجهم وخطهم، وستبقى حاملة القضية نفسها التي ناضلوا من أجلها».
وحول من سيخلف عاصي في منصبه أوضحت المصادر أنه «توجد آلية قانونية في المجلس لهذه الغاية، وهو مؤسسة لها آلية عمل»، لكنها لفتت إلى أن «من المبكر الحديث حالياً عن هذا الموضوع، لأننا لا نزال تحت تأثير فقدان رجل وحدوي ووطني، كان يؤمن أن على رجال الدين لمّ الشمل ونشر الاعتدال ومحاربة التطرف».
وعمّا إذا كان من سيخلف عاصي سيكون نسخة عنه، رأت المصادر أن «الثوابت والقواعد والهوية ستبقى كما هي، لكن الأسلوب قد يتغير لمن سيأتي بعده، وهذا أمر طبيعي».
وكان عاصي الذي نعاه كلّ من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، ومفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، وحزب الله وحركة أمل، قد شيّع أمس في طرابلس، بعد نقل جثمانه من مستشفى معوض في زغرتا، حيث كان يعالج من وعكة صحية ألمّت به، إلى جبل محسن، في حضور ممثلين عن الرؤساء الثلاثة وحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر والسفير السوري في لبنان، فيما كان لافتاً أن أيّاً من الأحزاب والتيارات السياسية في طرابلس لم توفد ممثلاً عنها للمشاركة في التشييع.