لا تزال أعمال بناء المُستشفى الميداني على موقف السيارات الخلفي التابع لحرج بيروت مُستمرة. هذه الأعمال بوشر بها في حزيران الماضي، وذلك تطبيقاً للقرار رقم 170 المُتخّذ من قبل المجلس البلدي لمدينة بيروت في 23 آذار الماضي. وبحسب المدير التنفيذي لجمعية "نحن"، محمد أيوب، فإن وزارتَي البيئة والصحة لم ترخّصا لهذا المستشفى و"لا توجد هيئة إدارية صحية" لإدارته. كذلك فـ"إن أحد المقاولين الكبار قبض من البلدية نحو مليون و200 ألف دولار للمباشرة بأعمال البناء".
قرار الترخيص بالبناء جاء بعد قرار آخر اتخذه المجلس البلدي نفسه في 5/5/2015 (يحمل الرقم 327) قضى بتغيير تصنيف جزء من حرج بيروت من المنطقة التاسعة التي يُمنع البناء عليها الى المنطقة الرابعة التي يُسمح بالبناء عليها بمعدّل استثمار سطحي 50%.
في كانون الاول الماضي، أثارت جمعية "نحن" مسألة التعديات "المُقوننة" هذه، وأشارت الى أن هدف البلدية من قرار تعديل التصنيف هو "حماية التعديات القائمة حول الحرج من مبان متعدية وغير مرخصة"، وعوضاً عن إزالة هذه التعديات بهدف استرداد مساحات الحرج المسلوبة، ها هو القرار يُشرّع مسألة سلبها. مخاطر تغيير التصنيف تكمن في إمكانية بناء "ناطحات سحاب" في هذه المنطقة الممنوع البناء عليها أصلاًَ، وفق ما يقول أيوب.

بيضون: المجلس البلدي لم يطّلع على قرار إعادة أعمال البناء المُتعلّقة بالمُستشفى



اللافت أن هذين القرارين يأتيان بعد القرار "الأبرز" الذي اتخذته البلدية أواخر عام 2014، المُتعلّق بالخطة التي تقضي بنقل الملعب البلدي القائم حالياً في منطقة طريق الجديدة و"زرعه" في بعض الأقسام التابعة للحرج، على أن يتمتع الملعب الجديد بـ"مواصفات دولية" لجهة إنشاء استاد ضخم ومواقف للسيارات وإقامة أندية وغيرها. وكان مجلس الوزراء قد وافق على هذه الخطة وأقرّها في قراره رقم 62 تاريخ 18/12/2014.
الانطلاق من "سرد" هذه القرارات يأتي ضمن سياق استكمال المجلس البلدي لمدينة بيروت الحالي لـ"نهج" التعدي على الحرج. ذلك أن مشروع نقل الملعب البلدي الى الحرج أُعيد إحياؤه بعدما "خفت" الحديث عنه منذ نحو عامين، إثر الرفض الذي أبداه ناشطون ومهندسون معماريون رأوا في مشروع زرع الملعب في المساحة الخضراء الوحيدة في المدينة إجراءً "إسمنتياً" يقضي على روح الحرج وخاصيته، خصوصاً أن الخطة ترافقها إجراءات "استثمارية" تعكس رؤية البلدية لهذا الملك العام. هذه الرؤية القائمة على اعتبار الحرج ملكاً خاصاً لبلدية بيروت، والأخيرة تملك الحق في "هندسة" استثماراته (راجع تحقيق بلدية بيروت: الباطون ينهي آخر المساحات الخضراء).
هذا "الإحياء" للنهج الاسمنتي تُثبته مراسلات مجلس الإنماء والإعمار، المتعلّقة بالموضوع بالمذكور مع وزارة البيئة التي ردّت عليها، أواخر شهر تشرين الأول الماضي، ورأت أن المشروع ليس بحاجة الى دراسة تقييم أثر بيئي "شرط توقيع التعهّد المرفق". وبحسب ما صرّح وزير البيئة السابق محمد المشنوق لـ"الأخبار"، حينها، فإنّ هذه الشروط تتعلّق فقط بتأثيرات الصرف الصحي للمشروع المُزمع إنشاؤه وغيرها، أمّا تأثير المباني الإنشائية على خاصية الحرج "فلا علاقة للوزارة بها".
هكذا يبدو المشهد الحالي إذاً: الاستعداد لتنفيذ خطة نقل الملعب البلدي الى الحرج، واستكمال مشروع بناء مُستشفى ميداني على أطرافه!
وأمام مشهد التعدي على الحرج هذا، طالبت حملة "حرش بيروت لكل الناس"، يوم الجمعة الماضي، بوقف البناء فوراً، وإزالة الإنشاءات المستحدثة، مُعلنة استعدادها للتصدّي للمجلس البلدي الحالي وللسلطات المعنية و"الوقوف بوجه أي تعدّ يطال الحق العام". كذلك طالبت الحملة وزير البيئة الحالي طارق الخطيب بالتحرّك فوراً، وممارسة صلاحياته وواجباته، لوقف التعدي على الحرج "من أجل بيروت والبيئة والناس".
المُفارقة أن عضو المجلس البلدي الحالي عماد بيضون قال خلال المؤتمر الذي عقدته الحملة إن "المجلس البلدي لم يطّلع على أي قرار بخصوص إعادة أعمال البناء المتعلّقة بالمستشفى. وأضاف أنه، كعضو بلديّة، ومع كافّة سكّان محيط الحرج، سواء من جهة بدارو أو قصقص أو الشياح يرفضون أيّ تعدٍّ على الحرج الوحيد في بيروت".
من جهته، لفت أيوب الى أن الحرج مُصنّف "كمنظر طبيعي محميّ بحكم القانون، وبالتالي يُمنع البناء عليه أو التصرّف بأيّ أجزائه، ولذلك فإن المشاريع الثلاثة التي يحاول المجلس البلدي تمريرها، أي إقامة المستشفى الميداني ونقل الملعب البلدي وتعديل التصنيف العقاري لإتاحة البناء على الحرج، هي مشاريع مخالفة للقانون".