مفاعيل زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للسعودية لن تنتهي قريباً. للزيارة الرئاسية دلالات وموجبات أيضاً، لأن نتائجها لن تكون محصورة بطرف واحد. فكما أدت السعودية دورها في الانفتاح على العهد الجديد، سيكون لها تأثير في المرحلة المقبلة لتقليص فارق السلبيات.
في المقابل، على رئيس الجمهورية وضع ثقله كي لا تتكرر المرحلة السابقة التي أدت الى ما أدت إليه من تعثر في العلاقات. فكل ما يمكن أن يحصل بعد الزيارة ستكون ارتداداته محسوبة على الساحة الداخلية وعلى العلاقات الثنائية. والاستحقاق الأساسي وفقاً لذلك سيكون قانون الانتخاب.
لا يمكن اختصار الزيارة بالإيجابيات التي ظهرت خلال الساعات التي أمضاها عون والوفد الرئاسي في الرياض. ولا يمكن اختصار الحذر الذي لا يزال يشوب العلاقات بغياب ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان عن الرياض أثناء زيارة عون. هذا الحذر يمكن مراقبته تدريجاً من الآن وصاعداً، سواء عبر المظاهر البروتوكولية بعودة السفير السعودي أو بزيارات مسؤولين ووزراء سعوديين للبنان. لكن الاستعداد السعودي لفتح صفحة جديدة مع رئيس الجمهورية الذي صاغ شبه تسوية مع رئيس الحكومة سعد الحريري، لن يكون من دون سقف مرسوم وانتظارات تتطلع السعودية والمسؤولون المباشرون عن الملف اللبناني إليها بحذر أيضاً.
السعودية أبدت استعدادها للتعامل مع عون بوصفه رئيساً للجمهورية. وعلى هذا الأساس، أمامه تحدّ كبير يتعلق بانتقاله من خصم سابق للحريري ومن طرف ساهم في إبعاده عن الحكومة ولبنان، الى رئيس للجمهورية يتعامل مع الحريري بوصفه شريكاً في الحكم وفي ملفات كثيرة أخرى، ومع السعودية بما تمثله من موقع عربي وإقليمي، وبوصفها وافقت على صفقة عون ــــ الحريري.

هل يعود قانون الستين
إلى الشارع المسيحي من
البوابة السعودية؟



لكن هذا الترتيب لا ينتهي هنا. فمهما تأرجحت علاقة الرياض بالحريري، وأخذ عليه مسؤولون فيها اتخاذه خطوات مغلوطة، إلا أن السعودية، بحسب سياسي مطلع، لا يمكن أن ترضى بأن يستهدف الحريري مرة ثانية، وخلال وجود عون في قصر بعبدا. فعون أبدى كل استعداده لمرحلة جديدة ومغايرة، وفريقه بالغ في مدح الزيارة وتبيان إيجابياتها ونتائجها، والرياض تبني مواقفها بناءً على وعود منه بتحسين العلاقات معها، وهي ستنتظر ترجمتها في كل المجالات، ومنها الأوراق الإيجابية التي يضعها أمامها وأمام الحريري. بهذا المعنى، لا يمكن أن يصبح قانون الانتخاب مكسر عصا، أو مناسبة للقضاء على «ميراث» الحريري النيابي. والأهم أنه لا يمكن أن يصبح مادة ابتزاز من خصوم السعودية والحريري، أي حزب الله بطبيعة الحال، كما حصل قبل تكليف الحريري برئاسة الحكومة. وبحسب المطلعين على الموقف السعودي، فإن الرياض تريد أفعالاً لا أقوالاً. والأفعال تشمل كثيراً من الملفات العالقة، وتعني أن أي انتخابات نيابية مقبلة لا يمكن أن تكون على حساب الحريري. لأن المقصود، ليس فقط حصوله على حصة نيابية وازنة، بل أيضاً عودته الى رئاسة الحكومة عودة مريحة من دون شروط وابتزاز أو صفقات جديدة. والعودة الثانية في عهد عون الى السرايا الحكومية، لا يمكن أن تكون تحت وطأة الحصص النيابية المتنازع عليها بين القوى السياسية.
تأخذ السعودية في الحسبان حلفاءها المسلمين والمسيحيين في أي استحقاق أساسي في لبنان، وهذا ما حصل في السنتين الأخيرتين من الشغور الرئاسي. لكنها في مرحلة الانفتاح الجديدة التي بدأها عهد عون معها، ستنتظر ما ستؤول إليه المناقشات السياسية حول قانون الانتخاب. أين مصلحة الحريري وتيار المستقبل، وفي أي قانون يمكن أن يكون وضعهما مريحاً؟ لأنه وفق ذلك بإمكان السعودية أن تأخذ بجدية مطلقة مسيرة العهد الجديد، وتعامله مع الدول العربية ولو مع بقائه حلقة وسطية بين المحورين الإقليميين.
على هذا الأساس، تصبح مراعاة وضع الحريري انتخابياً أولوية، ولذا نشهد مرحلة تقدم «قانون الدوحة» أي «الستين» معدّلاً، بخطى ثابتة. لأنه حتى الآن لا يزال الوحيد الذي يضمن للحريري حصته النيابية التي تؤمّن له عودته الى رئاسة الحكومة من دون تسويات جديدة أو مفاوضات شاقة. ورغم اتفاق الحريري والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية على قانون المختلط، يعرف جميع المفاوضين أن الحريري لا يحبّذ هذا المشروع الذي ارتضاه هرباً من الأرثوذكسي الذي وافقت عليه القوات. ولأن الحريري يرفض النسبية المطلقة، ويصرّ عليها حزب الله، ولأن قانون الدوحة لا يزال الأفضل حريرياً لإجراء الانتخابات الحالية على أساسه، يتوقع أن ترسل بعبدا بواسطته الإشارات الإيجابية الى الرياض. فهل يعود قانون الستين الى الشارع المسيحي من البوابة السعودية، بعدما كاد يخرج منه، لأن المطلوب أن يريح قانون الانتخاب الحريري؟