«الإعلان هو فنّ إقناع الناس بإنفاق المال الذي لا يملكون على شيء لا يحتاجونه»ويل رودجرز

في الأساس، تتكوّن معظم الإعلانات من عنصرين: الكلمة والرسم، وتتوجه إلى شرائح من الناس بقصد تغيير سلوكها أو تبديله أو خلق سلوك جديد. منطقيّاً، عندما تلجأ المؤسسات إلى الإعلان فهي تهدف الى رفع نسبة أرباحها عبر كسب زبائن جدد وتوسيع مجال الانتشار. عليه، وبحسب اختلاف السلعة التي تقدمها المؤسسة (سلع مادية أو خدمات أو أفكار)، ستلجأ خلال عمليتها الترويجية لرسم أفضل صورة ممكنة لها وخلق أفضل انطباع لدى المستهلك. هنا ستبدو عملية التلميع فكرة براقة وسهلة التطبيق.
يتحدث علماء النفس عن دور الترويج في حثّ الجمهور المتلقي على الاستفادة من العروض المغرية «قبل نفاد الكمية» أو قبل انتهاء «الحسومات الهائلة»، فتقوم المؤسسات التجارية أو الخدماتية بإيهام الجمهور أن الوقت ينفد، وأن عليه الإسراع في الحضور إلى المتجر لتنفيذ العملية الشرائية لمصلحته، وبعد تنفيذه هذا السلوك سيشعر بالرضا لتحقيقه «صفقة جيدة».
تستمر الأبحاث في هذا السياق لتصل إلى ممارسات الشركات «سياسة القطيع»، فتشرح دور الإيهام الذي تمارسه هذه الشركات في تبيان الشريحة الكبيرة التي تتابع منتجاتها وتقتنيها وتضعها في سلم الأولويات. فتخبر الجمهور عبر الوسائط الإعلانية كافة بأن كل الناس حصلوا على هذا المنتج المعيّن ولم يتبقَ «غيرك»، فـ«شو بعدك ناطر؟!». عبارة ستُشعر الفرد بأنه متخلّف عن باقي أفراد المجتمع، فيخاف من أن يفقد الشعور بالانتماء للمجتمع المحيط، الأمر الذي يدفعه إلى التحرك سريعاً لاقتناء ما لا يحتاجه.
تلجأ الشركات إلى إعلانات غير واضحة للترويج للسلع والخدمات، بغير أسعارها الحقيقية


المُنتج قد يكون بعيداً عن سلّم أولويات المستهلك واهتماماته، لكن الرغبة في السير مع تغيرات المجتمع والجوع إلى اقتناء كل ما هو حديث ورائج تدفعه، مثلاً، الى تغيير جهازه الخليوي حتى وإن كانت هيئة ما يملك حسنة، ولشراء غذائه من هذا المطعم لأنه يقدّم وجبة مميزة باسمه لا يملكها أي مطعم آخر، علماً أن مكوناتها مشهورة وبسيطة وتملأ رفوف المتاجر بينما يدلّ إعلانها الترويجي على أنها تجربة فريدة وحيدة من نوعها!
في شباط الماضي، أصدر وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري بلاغاً يتعلق بتنظيم الإعلانات الترويجية. إذ تبيّن للوزارة أن العديد من الشركات تلجأ إلى إعلانات غير واضحة للمستهلكين بهدف الترويج للسلع والخدمات، بغير خصائصها وأسعارها الحقيقية. بلاغٌ ضروري، وأساسي، في ظل فوضى الإعلانات الحالية، خصوصاً مع تقديم المؤسسات إعلانات منتجات بأسعار معينة، ليتبيّن لاحقاً أن هذه الأسعار أولية لا غير، لا تتضمّن ضرائب/ رسوم تسجيل/ تكاليف إضافية تصاعدية بحسب المواصفات التي تريد، وبأن الـ 9.999 $ لن يكون السعر الذي ستنفقه وبأن الحسومات المغرية لا تشمل سوى منتجات المواسم السابقة.
يذكر أن لمواقع التواصل الاجتماعي نسبة جيدة من الإعلانات المخادعة، حيث يتم استخدام منصاتها المتنوعة لنشر الإعلانات باستخدام الصور الملفتة للأنظار بجانب تفاصيل سطحية تفتقد للمعلومات الدقيقة حول سعر المنتج ونوعيته والجهات المصنّعة. ثم، عند السؤال ــــ التعليق يتم نصح المتابع بالتواصل مع الجهة المعلِنة هاتفياً أو عبر الرسائل الإلكترونية مع تقديم العنوان المفصّل للزيارة.
نعم، لا يمكن الاستغناء عن الإعلان، بل للإعلان أهمية كبرى وضرورة حتمية بهدف إيصال المعلومات للمواطن ونشرها على أكبر مساحة ممكنة. لكن، في ظل الطّمع المؤسساتي والعطش لمزيدٍ من الأرباح، وفي ظل احتدام المنافسة بين المؤسسات التجارية والخدماتية، هل يعقل أن تضيع مصلحة المستفيد على حساب الزيف والخداع علماً أن المؤسسات تعلم أن الزبون، أولاً وأخيراً، هو مفتاح نجاح أعمالها، وبفقدان ثقته سيلجأ إلى بديل، أو على الأقل لن يكرّر التجربة عينها مرات ومرات.
الأمانة في تقديم المنتج وحسّ المسؤولية الذي يرافق عمليات الإعلان والنشر والتوزيع أمور لا يمكن التغاضي عنها لرفع مستويات الأرباح المؤقتة. وإن كان الإعلان استثماراً طويل الأمد، فإن الفوز بثقة الزبون أساس لاستمرارية العمل.

* [email protected]