بالأمس في القاعة الزجاجيّة لوزارة السياحة في بيروت، ومع «بيت الدين» تحديداً، بدأت حركة إطلاق الموسم الفني والثقافي لصيف لبنان 2016. الست نورا (جنبلاط) عينها على كل التفاصيل، تنتبه للصغيرة والكبيرة كما يقال. جلست على المنصّة محاطة بوزيرَيْ السياحة ميشال فرعون، والثقافة روني عريجي، والمدير(ة) العام (ة) للسياحة ندى السردوك (نعم للتأنيث!) وعدد من الرعاة.إنّها اللحظة المشتهاة التي ننتظرها من عام لآخر، أبكرت هذا العام، استباقاً لشهر الصوم المبارك، علماً أنّ معظم المهرجانات تنطلق بعد عيد الفطر. الكلمات الرسميّة جاءت مقتضبة لحسن الحظ. عريجي توقّف عند الثقافة «كمساحة تلاق حضاري»، وواصل فرعون في الاتجاه نفسه: «كم نحن في حاجة إلى هذه الأجواء (..) لتجاوز السلبية (…) وتسليط الضوء على أجواء الفن والثقافة، والسياحة أيضاً (…) و(تحرير) طاقات لبنان الحضاريّة». وبدا الوزيران مندهشين من طول مدّة إقامتهما في حكومة جاءت أساساً لعام واحد! ماشي، نحن أيضاً اعتدنا عليهما، وسنراهما مليّاً على منصّات متشابهة، خلال الاعلان عن برامج هذا الصيف، في الأيّام المقبلة.
لنبدأ إذاً من «مهرجانات بيت الدين الدوليّة» (8 تموز/ يوليو ـــ 9 آب/ أغسطس). يغلب هذه السنة على البرنامج طابع الاستعراض، مع الافتتاح «البوليوودي»، والأمسيات المشتركة التي تجمع الطاقات والأسماء والمواهب: تارة لتوجيه تحيّة جماعيّة إلى سوريا الحضارة العريقة والشعب الجريح، وتارة أخرى لاستعادة الموسيقار والمعلّم زكي ناصيف. المفاجأة الثانية هي الكثافة العربيّة على حساب الروك والجاز الغائبين، والكلاسيك (فقط موسيقى بروكوفييف ضمن باليه معاصر)، وموسيقى العالم التي تقتصر هذا الموسم على الـ pop والـ Soul، وعلى النيو الفلامنكو والفادو المعاصر. المفاجأة الثالثة لم يكن يتوقعها أحد: باسم يوسف الذي زار لبنان «محاضراً» في الجامعة الأميركيّة قبل أشهر، سيعود كنجم الستاند آب كوميدي في عرض بعنوان «النكتة أمضى من السيف» (٣ آب). إنّها تحيّة من بيت الدين على الأرجح إلى حريّة التعبير، من خلال استضافة صاحب «البرنامج» الذي أخرسه نظام السيسي، وإلى ربيع عربيّ مجهض لم يبقَ منه إلا أحلام برسم المستقبل. ولن يفاجئ أحداً تخصيص المهرجان أمسيتين (5 و 6 آب) للمغنّي العراقي كاظم الساهر، ضيف بيت الدين الأزلي، ومعبود النساء من الـ ١٥ إلى الـ ٩٩.
يفتتح المهرجان بإنتاج عالمي شاهده مليونا متفرج (كما يذكّر الملف الصحافي)، يحمل رونق الاستعراض، رقصاً وغناً، ويرشح بالحنين إلى السينما الهنديّة الني ساهمت في صنع المزاج الشعبي عندنا على امتداد أجيال. استعراض اوسترالي (اخراج طوبي غوف) آت من مومباي، يُعرض قبل بيت الدين على مسرح بيكوك اللندني العريق، أي انه يعود الى المدينة التي تألق فيها على مسرح أبولو قبل عشر سنوات. استعراض Merchants of Bollywood (٨ و ٩ تموز) يحيل عنوانه إلى مسرحية شكسبير «تاجر البندقيّة»، فـ «مارشانت» (اي تاجر) هو أيضاً اسم عائلة أسطوريّة في تاريخ السينما الهنديّة، صمّمت رقصات أشهر أفلامها، من المؤسس هرالاجي إلى الحفيدة فايبافي مارشانت التي وقّعت كوريغرافيا العمل، على موسيقى الثنائي سليم وسليمان مارشانت. استعراض ضخم، عابر للقارات، بالألوان الفاقعة، والأنغام المزركشة، والكيتش البوليوودي (٥٠ مؤد ومؤدية، و٥٠٠ بدلة، و٥٠٠٠ آلاف قطعة موجهرات)، يجمع السحر والصخب والبريق، ورقصات بوليوود المنمّطة إلى الرقصات الحديثة. ولا شك في أنّه سيكون من اللحظات القويّة هذا الصيف في لبنان.
من لندن أيضاً سيكون الموعد التالي (14 تموز)، مع SEAL نجم البوب البريطاني (غير البعيد عن السول والآر إن بي). سيل، رجل الـ «غرامي» والـ٣٠ مليون أسطوانة، هو صاحب «قبلة من وردة» (فيلم «باتمن إلى لأبد») ورسول الحب المطلق. أما محبّو الفادو والفلامكنو، فموعدهما مع أمسية مشتركة، هي مسك ختام «بيت الدين» (9 آب)، تضم carminho نجمة الفادو البرتغالي، نشيد الحزن الطويل. كارمينو اثبتت حضورها خلال سنوات قليلة وثلاث أسطوانات، كإحدى وريثات أماليا رودريغز، إلى جانب ميسيا وأخريات. في السهرة نفسها، تطل مغنية الفلامنكو الاسباني Concha Buika . كونشا بويكا الافريقيّة الجذور، صاحبة الصوت المرصّع ببحّة الجاز والمسكون بنزق الغجر الذين نشأت بينهم. يعرفها هواة السينما من خلال فيلم ألمودوفار «الجِلد الذي أسكن».
وكما عودنا المهرجان في السنوات الأخيرة، لا بدّ من محطّة مع الرقص المعاصر، وتحديداً مع الكوريغراف الفرنسي أنجيلان بريلجوكاج الذي يعود للمرّة الثالثة بعد «بلانش نيج» (٢٠١٠) و«الليالي» (٢٠١٣). هذه المرّة يعود مع اعادة لأحد أشهر أعماله، باليه «روميو وجولييت» المكتوب عام 1990 على موسيقى سيرج بروكوفييف المطعمة بأصوات معاصرة. وقد تصوّر بريلجوكاج عمله على مقام «الصراع الطبقي»، في حاضرة أوروبية معاصرة يخيّم عليها شبح التوتاليتاريّة، وألبسه عوالم رسّام الشرائط المصوّرة إنكي بلال (مصمم الديكورات والملابس) الآتي مثله من أصول بلقانيّة.
يبقى موعدان مع الموسيقى العربيّة، كل منهما يجمع عدداً من الفنّانين حول ثيمة معيّنة. هناك التحيّة الموجّهة إلى زكي ناصيف (29 تموز)، تحت عنوان «يا عاشقة الورد». يعطينا فرصة الاستماع إلى سميّة بعلبكي ورنين الشعّار، جوزيف عطيّة ونضال الأحمديّة، تحت إشراف غي مانوكيان المشارك على البيانو. أما «يا مال الشام» (23 تمّوز) العرض المُهدى «إلى شعوب الربيع العربي» (وليس الى الربيع نفسه لحسن الحظ)، فأنتجه «مهرجان العالم العربي في مونريال»، ويجمع كل من العودين نصير شمّة (العراق) وشربل روحانا (لبنان) والمغنية السوريّة لينا شاماميان، بمشاركة فرقة OktoEcho، والأوركسترا الشرقيّة اللبنانيّة بقيادة اللبنانيّة الكنديّة كاتيا مقدسي وارن. الجرح السوري هو أيضاً في قلب «بيت الدين» من خلال معرض «تدمر، المدينة الشهيدة»، ويتضمن مجموعة من الصور والتحف الأثريّة التي يمتلكها متحف الجامعة الأميركيّة في بيروت.