...ولا نزال
من أغرب ما يكون ظهور معلّقين لبنانيّين في ندوات التلفزيون لتقريع المتظاهرين في سوريا والدفاع عن النظام، بينما يظهر في الندوات ذاتها مفكّرون ومعلّقون سوريّون يدافعون عن التظاهرات ويهاجمون النظام. بعض هؤلاء يتحدّثون من خارج بلدهم، ولكن بعضهم يتحدّث من داخل. هل يعرف محمد عبيد وميشال سماحة وفيصل عبد الساتر أكثر ممّا يعرف ميشال كيلو وفايز سارة وأسامة الرفاعي وحسين العودات؟ وهل نواب حركة «أمل» و«حزب الله» و«التيار الوطني الحر» حريصون على سوريا أكثر من برهان غليون وسمر يزبك، البطلة سَمَر يزبك؟
غير مألوف هذا الانحياز مع سلطة ضد الناس. السوريّون المؤيّدون لسلطتهم لم يبلغوا الحدّ الذي بلغه لبنانيّون. بعض هؤلاء اللبنانيين نسي في أي عذاب كان يوم وقف وحده ضد الجيش السوري والعالم كلّه يتفرّج عليه وعلى نضال اللبنانيّين العُزّل.
كنّا مغلوبين ذات يوم وذقنا ظلم الانغلاب وغضّ نظر العالم عن مأساتنا. ولن نعود مغلوبين... لن نعود لسبب بسيط هو أننا لا نزال مغلوبين.

خوف الفقير

لا تسمع إلّا بسطاء وفقراء يسألونك بانصعاق: صحيح الحريري في ضائقة ولا يدفع لموظّفيه؟
عجباً للفقير! يشفق على الغني ولا يشفق على الفقير!


قولان

العقل يقول: دوام الأنظمة العلمانيّة ـــــ على ما تغمزنا إليه اللفظة ـــــ حماية للأقليّات، وارتياح الأقليّات أحد عناوين التمدُّن وقيمة نباهي بها الصهيونيّة وسائر العنصريّات.
العقل الديموقراطي يقول: دعوا الأكثريّة تحكم نفسها، الخوف على الأقليّات لا يُبيح خنق حقوق الأكثريّة.
العقل يقول: يعلّمنا التاريخ أن الشرق لم يتقدّم، لم ينقلب على نفسه ويتفتّح، إلّا بالظواهر التي شقّت عصا الطاعة على قطيعها بل على رُعاتها. الأنوار تشرق في الغرب تباعاً، منهجيّاً، في إطار تراث يتوالد باستقرار انتقاله الطبيعي من جيل إلى جيل، كانت تحرسه أو تقمعه الكنائس وأصبحت تحرسه وتستزيده الحريّة، أمّا الشرق فأرضٌ بركانيّة تنام عصوراً قبل أن يخترقها إعصارها. لا تقلّدوا الغرب. البيئات أعرف بأحوالها.
العقل والضمير.
أكثريّاتٌ تتحكّم في معظم العالم العربي فلمَ نضيق ببلدين ثلاثة تطمئنّ إليها الأقليّات؟ وأيّ منجزاتٍ حقّقها طغيان أكثريّاتنا؟
في تراجع الأقليّات وعودتها إلى حجمها في السلطة فائدة واحدة لها على الأقلّ هي رجوعها ـــــ افتراضاً ـــــ إلى قواها الذاتيّة، الثقافيّة والنفسيّة، التي جعلت منها نخبة. السلطة أضيق من النخبة. النخبة المتحرّرة من السلطة طاقة إشعاعيّة بلا حدود.
كانت العبقريّة اليهوديّة أكبر قوّة احتلال فكريّة خفيّة في العالم، وخفاؤها كان سلاحها الأمضى. دولة إسرائيل، التي صُمّم لها أن تكون «أرض الميعاد»، أمست أكبر خطرٍ على اليهود في إسرائيل وفي كلّ العالم، وقبل كلّ شيء، في ذات كلّ يهودي.
سلطة الانتشار الفكري أقوى من سلطة القبضة المركزيّة.

■ ■ ■

... العقل والضمير. العقل والعقل. ومَن يعبأ؟ القاتل آلة والقتيل آلة. واحدة تنزل من فوق وواحدة تطلع من تحت... كأنهما في شراكةٍ مع الموت.


محمود درويش وصباح

نتوقّف عند نقطة محدّدة في مسلسلين رمضانيين: النقطة الأولى إلقاء محمود درويش والثانية صباح والزواج.
يُشكر الفنّان فراس إبراهيم على احتفائه بالشاعر الفلسطيني الكبير، كما يشكر دوماً وأبداً على إنتاجه مسلسل «أسمهان» ويُهنّأ على اضطلاعه الذي لن يمحى من الذاكرة بدور فؤاد الأطرش. الملاحظة على «في حضرة الغياب» لا علاقة لها بالشأن السياسي: فقط علاقة محمود درويش بـ«الغنائيّة». يلقي فراس إبراهيم قصائد درويش بعاطفيّة جارفة، ولم يكن الشاعر يلقيها هكذا. الممثّل يلقي متأثّراً بما يلقيه، والشاعر كان يلقي متماسكاً، تاركاً الانفعال للجمهور. وحتّى في كلامه العادي كانت السخرية أو الغضب أو الانتباه الشديد غالباً ما تلوّن أحاديثه، وأحياناً لشدّة عصبيّته يقصف الكلام قصفاً. اشتركنا معاً في مهرجان شعري أواخر الثمانينات في لندن، وقبيل صعوده إلى المنبر كان يحادثني أنا ونزار قبّاني بتوتّر عن شأن كان قد عكّره جدّاً، بنطق متهافت تكاد اللفظة فيه تأكل اللفظة، فحذّرناه من إلقاء قصيدته أيضاً بهذه النبرة، فكان جوابه: «ما إنْ أقف على المنبر حتّى يقع كلّ ما فيّ تحت السيطرة». وهكذا كان، وتحوّل العصبيّ إلى رابط جأش صافٍ يكرج منه الشعر كالجدول.
مسلسل «الشحرورة» يعيد إلى الواجهة ظاهرة تعدّد الزيجات، السؤال حول علاقة الزواج بالطمأنينة.
سبق لصباح أن فسّرت فشل زيجاتها برغبة الرجل في السيطرة على شخصيّتها ورفضها هذه السيطرة. تمرّد جدير بالإعجاب، لكنّه مع هذا لا يفسّر مواصلتها تجربة الزواج رغم الخيبات. تحدّثت صباح عن خوفها من الوحدة. لا شكّ، خصوصاً هي، فالنجمة الجماهيريّة لا تشعر باكتفاء إلّا في خضمّ جمهورها. ليس أشدّ هولاً من سكون وحشة الفنّان في منزله بعدما كان قبل لحظات طائراً على عبادة جمهوره له. لا زواج يعوّض عن هذا ولا حبّ ولا إنجاب ولا مال. لحظة الانغمار بإعجاب الجمهور لا يوازيها شيء عند المطربة ولا شبيه لها في المطلق إلّا لحظات التجلّي أو المعجزة. والجمهور قد لا يدرك هذه الكيمياء بوعيه لكنّه يعيشها بجُماع كيانه خلال «اللقاء»، حيث الوصال أكمل من أيّ بوح وأيّ وصال.
أن تجد صباح مهدّئاً لشعور «الحاجة» الجماهيريّة هذه في الزواج، أمر طبيعي. وطبيعي أن يكون العلاج في كلّ مرّة مخدّراً مؤقّتاً. إدمان الجماهير لا بديل منه ولا شفاء له.
المرأةُ ترفع قلبها بالعشق ورأسها بالزواج. حصلت صباح على الرَفْعين مراراً وتكراراً. والزيجات والغراميّات تجمّعتْ أخيراً في غربال الذاكرة، فأَيُّها أبقى؟ صورة زوج أم طيف حبّ؟
أم شريط لحظات على أدراج بعلبك؟



عابرات,ظسفقخىل.

لا تضعوا على ألسنة الأولاد أيّ كلام كان. بعضه (في الإعلانات خاصة) اغتصابٌ حقيقيّ.
■ ■ ■
الجمال ظالم، كصخرة البحر في نظر السابح التائه الباحث عن دَسَم.
■ ■ ■
لتكن رحمتكَ ذات قوّة حتّى تشدّ أزْر المنهار.
■ ■ ■
بين بَسْط العقاب جناحيه قبل أن ينقضّ على الفريسة، وفَتْح العاشق أحضانه للمعشوق، شَبَه... وليس الحبّ الذي في المثل الثاني هو ما ينفي صفة الافتراس.
■ ■ ■
العَظَمة مَسّ، كالعبقريّة.
■ ■ ■
تندم على عطاء لم يلقَ وفاء: رثاء للذات فيه من الحقّ ما في الخيبة، وأحرى أن يكون محلّ الندم خجلٌ من توقُّع الجزاء.
■ ■ ■
المسافة التي تضعها بينك وبين الشخص تعود عليه بالنفع أكثر ممّا تعود عليك. كلّما قصَّرْتَها ازداد تلاشيه.
■ ■ ■
الطبيعة أرقى من البشر: لا نرى زعيماً أو شيخاً ينحني للطفل احتراماً ولا حتّى تحناناً. السنديانة تفرد أغصانها لتفيء على المارّة، ولا تُمنّن جُلّاسها أو تصطنع التواضع.
■ ■ ■
أرجوحةُ التأمّل تؤاخي الفراغ... فراغٌ هو أخصبُ مراعي الفكر.
■ ■ ■
عندما تحتاج أن ترى شبيهتها في الفيلم لتعرف أن صديقتك جميلة، معناها أنّك لن تهنأ بعيشك ما لم يخترع لكَ خيالك هذا العيش.
ولن تكون مغالياً: الخيال هو الذي يخترع الحياة وليس العكس.
■ ■ ■
أوّل صفحة تفتحها بالصدفة في الكتاب هي هي الصفحة. انتبه لما فيها...