قد يكون الاسم معروفاً في الأوساط العلميّة والأكاديميّة، أكثر منه على النطاق الشعبي الواسع... لكنّ صاحبه محطّة أساسيّة في حياتنا الثقافيّة. يصعب أن تكون قد تابعت دراسة النقد الأدبي، أو الفلسفة، أو بحثت في حقول الأديان المقارنة أو التصوف، من دون أن تقع على أحد مؤلفات جاد حاتم. الأكاديمي والباحث اللبناني الواقف على مشارف الستين، يملك في رصيده أربع أطروحات دكتوراه، وأكثر من ستين مؤلفاً. طرح حاتم على نفسه الأسئلة الكبرى في عمر مبكر، حفز ظهورها لديه انكباباً على القراءة ورثه من والده القاضي الذي كان «صديقاً ومعلماً» كما يصفه اليوم. القراءة، فتحت عيني المراهق على المعضلات الإنسانية والوجودية الكبيرة، ولم يكن أمامه من خيار غير الكتابة لتفكيكها: «الكتابة ليست مجرّد وصف لعلاقة الشخص بنفسه
وبالعالم، بل أسلوب يتيح معالجة تلك العلاقة بشكل أعمق».

في البداية، كتب بالفرنسية، اللغة التي أتقنها خلال تنقّله بين مدرستي «الإنجيلية الفرنسية» و«سيدة الجمهور». ذلك الولع بالأدب دفعه للانتساب عام 1972 إلى كلية الأدب الفرنسي École des Lettres، الفرع الذي افتتحته «جامعة ليون» الفرنسية في بيروت. لم يصمد هناك أكثر من عام دراسي واحد، إذ تحولّ عام 1973 نحو اختصاص الفلسفة، بعدما اكتشف أن الأدب «غير كاف». كان هيغل ـــــ الفيلسوف الألماني «المهول» كما يصفه حاتم ـــــ هو المسؤول عن تلك النقلة. نقلة لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة في مسيرة أكاديمي لا يتعب من طرح الأسئلة، ولا يخاف من التبحر في أعماق فكرية خافقة بالتيارات.
عبر اهتمامه بمدرسة «الفينومينولوجيا» (علم الظواهر) في الفلسفة الحديثة، تعرّف الشاب إلى أعمال الفيلسوفين الفرنسيين ميشال هنري وإيمانويل ليفيناس (الليتواني الجذور)، كما أخذ بطروحات الألماني شيلينغ. مع ذلك، لم ينس حاتم الأدب، فانطلق منه للخوض في قضية فلسفية من خلال أطروحته الأولى «الحرية في مسرحية أوديب لسوفوكليس» (1978). في تلك الأثناء، كان قد بدأ يمارس مهنة التدريس (منذ عام 1976)، ليتمكن من الاهتمام بأسرة أنشأها باكراً، بعدما صادف «الحب المطلق» كما يروي وهو في الثانية والعشرين من عمره.
وبما أنّ «الأدب هو القصة، فعبقرية الأديب هي في استخلاص السلوك البشري، وفي طرح الأسئلة، فيما الفلسفة مسؤولة عن تحويل القصة إلى مفهوم»، فقد ظل حاتم يترنح بين المجالين. بعد أطروحته في الفلسفة، عاد والتحق بقسم الأدب، ونال دكتوراه عام 1988 عن أطروحة بعنوان «التبدّل والشرّ في الأدب المقارن».
يشرح حاتم، مستحضراً المدرسة الفرويدية، عن مدى ترابط الأدب بما هو خلاصة إنسانية تطرح الأسئلة حول كنه النفس البشرية، والفلسفة التي تتلقّف تلك الأسئلة وتؤطرها في عناوين مفهومية. لهذا مارس النقد الأدبي رغم اعترافه بأنه لا يحبّ قراءته.
الشر، والحب، والإبداع، والتصوف: محاور أربعة أرّقت حاتم طوال مسيرته الفكرية، قاربها كل مرة من منظار أكاديمي مختلف. وهذا ما تجلى في اختياراته اللاحقة للمجالات التي تخصص بها، وفي إصداراته الغزيرة.
بعد الرحلة في عوالم أدب يطرح الأسئلة، وفي غياهب فلسفة تفنّد تلك الأسئلة وتعمّق مناحيها، كان لا بدّ من التعريج على من يقدّم الأجوبة عنها عبر منظومات دينية متكاملة: هكذا، جاءت دراسة اللاهوت لتُختتم بأطروحة «لاهوت الفن: حول الشعر الصوفي والأيقونة والرواية المسيحانية» عام 1998، تلتها أخرى لعلوم الأديان، تحت عنوان «الحب الخالص في التصوف الإسلامي» نالها عام 2005.
الأكاديمي الذي يشغل منذ 1981 منصب رئيس قسم الفلسفة في «جامعة القديس يوسف»، لا يزال يدرّس مواد الفلسفة واللاهوت والأدب. كان أول من أدخل فكر شيلينغ إلى مناهج طلاب الفلسفة في لبنان. يعدّه معلماً عالج قضيتي الشرّ والإبداع، و«منحني بعض الأجوبة في موضوع فلسفي شائك مثل العلاقة بين الشر والله». كذلك، أطلق حاتم مجلات فلسفية عدة مثل Extasis التي أصدرها بين 1980 و1993، ومجلة Alcinoe السنوية التي يصدر العدد الثاني منها قريباً، وموضوعه المحوري «الحياة».
توفر مؤلفاته الكثيرة مظهراً أدبياً ودينياً وفلسفياً، من غوته إلى هيرمان هسه ونيكوس كازانتزاكيس، مروراً بالمسيح وكارل ماركس وابن عربي والحلاج. كانت هذه المؤلفات كلها نتاج بحوث عالجت تلك المظاهر أفقياً وعمودياً. وقد عمد فيها إلى تشريح نظريات المفكرين وبناء المقارنات والمقاربات الفلسفية، عبر دراسة الشخصيات الأدبية والدينية في الثقافات والمذاهب والمراحل الزمنية المختلفة. تمخّض ذلك الجهد الأكاديمي البالغ العمق والالتزام، عن عناوين غير متوقعة مثل «لوعة الحب وبهجة الشعر لدى مجنون ليلى وجاك جاسمان» (2000)، و«الحلاج والمسيح» (2006).
أما الحرب الأهلية التي أتاحت له خلال أيام طويلة قضاها في الملجأ، إتمام الكثير من القراءات، فهي لم تظهر في كتبه الفكرية، بل تسللت إلى دواوينه الشعرية مثل «لغز وأنشودة» (1989). كذلك خصص لها كتاباً في مجال النقد الأدبي «لبنان الأحلام والحرب» (1988).
لكن، هل لا يزال الزمن اليوم مناسباً للفلسفة؟ الفلسفة لا تنتهي، يجيب عاشق دانته ورينيه شار. الطموح إلى المطلق هو الجامع بين البشر. قد يكون المطلق هو المال أو الحب أو الله. قد يتعرّف البشر إلى الطريق من دون أن يتوصّلوا لتشخيص الهدف. وقد يدركون الهدف ولا يهتدون إلى طريقه. في الحالتين، لا مهرب من الفلسفة ومن أسئلتها: فالجواب النهائي غير محدّد للبشر، ما داموا في سير الحياة. المطلق هو الذي يعطي لكل شيء ولأي شيء معناه.
هنا، يختلف حاتم مع «صديقه» هيغل القائل بأنّ الفن هو الجواب النهائي. ينتقد بروست ومالارميه اللذين عدّا الأدب مطلقاً وكمالاً، ليقترب أكثر من التفسير الذي وصل إليه بطل غوته، فاوست. في إحدى مراحل محاولة الدكتور فاوست ترجمة السطر الأول من إنجيل يوحنا، رسا على أنه: «في البدء كان المعنى». والفلسفة تقول بالمعنى...



5 تواريخ

1952
الولادة في بيروت

1978
أنجز أطروحته الأولى في الفلسفة بعنوان
«الحرية في مسرحية أوديب لسوفوكليس»

1981
عيّن رئيس قسم الفلسفة في «جامعة القديس يوسف»، ولا يزال في هذا الموقع الأكاديمي حتى اليوم

1998
أطروحة في اللاهوت بعنوان «لاهوت الفن: حول الشعر الصوفي والأيقونة والرواية المسيحانية»

2011
أصدر كتاب «مجنون ليلى وتصوّف الحب» بالفرنسية عن دار L’Harmattan، ويدير حالياً سلسلة صفوف متخصصة في علم الأديان