في مشهد قد يكون الأوّل من نوعه دبلوماسياً، أزاح وزير الخارجية المصري سامح شكري (الصورة) ميكروفون قناة «الجزيرة» القطرية من على طاولة مؤتمر صحافي أقيم أوّل من أمس في الخرطوم. كالعادة، انطلقت على الأثر مواجهات إلكترونية بين رافضي هذا التصرّف وبين من أيّدوه واصفين الوزير المصري بـ «الدكر» (الذكر). يُطلق المصريون صفة «الدكر» على من يَصدر منه موقفاً حاسماً تجاه منافسيه، وحصل شكري على اللقب بسبب تصرّف غير مسبوق وجده الكثيرون معبّراً عن ما يجيش في صدورهم تجاه «الجزيرة» والدولة التي تنطلق منها. كان الاجتماع في العاصمة السودانية يخصّ أزمة «سدّ النهضة الأثيوبي»، وعندما وصل شكري إلى طاولة معدّة لإلقاء البيان الختامي، فوجئ بأنّ ميكرفون «الجزيرة» موجود على الطاولة فطالب بإبعاده. ولمّا لم يستجب أحد لطلبه، قام بنفسه بإنزال الميكرفون إلى أسفل الطاولة.
يعدّ ذلك التصرّف الأوّل على المستوى الدبلوماسي، ما أدّى إلى انفصال الميكرفون عن القاعدة المعدنية التي تحمله، فاستخدمت بعض المواقع عنوان «وزير الخارجية يحطّم ميكروفون الجزيرة». لم تزد مدّة هذه اللقطة عن 18 ثانية، وانتشرت كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وغطّت على نتائج الاجتماع نفسه الذي يعدّ واحداً من سلسلة اجتماعات لم تحقّق لمصر حتى الآن ما تريد من ضمانات لحماية حصّتها من مياه نهر النيل. مناصرو النظام المصري رأوا موقف الوزير مُناسباً للسياسات القطرية، وعادت مجدداً التغريدات والهاشتاغات المُسيئة لقطر وحكّامها.
على خط موازٍ، حرص حساب «الجزيرة» على تويتر على نشر الفيديو والترويج له للدلالة على مدى تأثير القناة على السياسيين المصريين، فيما دافع أنصار جماعة الإخوان المسلمين عن المحطة، معتبرين ما فعله سامح شكري انعكاساً لحالة العجز في مفاوضات «سدّ النهضة الأثيوبي»، وأنّ الوزير «استقوى» على الميكرفون وفشل في مهامه الأساسية.
وسط هذه المعمعة، كان هناك فريق ثالث يُدين سياسات «الجزيرة» باستمرار، لكنّه رأى في تصرّف شكري ما «لا يليق بمصر وبمكانتها وبمهام وزير خارجيتها». اعتبرت هذه الجهة أنّه لو نجح شكري في المفاوضات وخرج منها فائزاً، لم يكن ليتأخّر عن إعلان فوزه أمام أيّ ميكروفون موجود على الطاولة التي خلت من القنوات المصرية المنحسر نشاطها داخل حدود المحروسة فقط.
لذلك، بدا ميكرفون «الجزيرة» وحيداً في مواجهة الوزير، الذي تعامل معه باعتباره ندّاً يستحقّ الإطاحة به. الإعلامي يسري فودة ورغم أنّه من مؤسسي القناة القطرية، علّق قائلاً: «لديّ تحفظات مهنية على أداء قناة «الجزيرة» مما قد لا يفقه فيه رأس الدبلوماسية المصرية، لكنّ تصرّفاً كهذا لا يليق بموقعه ولا بمصر ولا بأيّ أحد في أيّ مكان في الواقع».