ليس ثمة ما يميز طفولة فؤاد الإبراهيم سوى انتمائه إلى جيل كان شاهداً على تحولات كبيرة في المنطقة. الكاتب والباحث السعودي المولود في محافظة القطيف (شرق)، واكب اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، ثم الانتفاضة في المنطقة الشرقية من المملكة. دوّن الإبراهيم اسمه في سجّل المشاركين في الانتفاضة التي عُرفت باسم «انتفاضة 1400» (1979) ضد آل سعود، وكان هذا الحدث الأبرز في حياته كما يقول. سقوط زوج خالته قتيلاً برصاص الحرس الوطني السعودي في إحدى تظاهرات الانتفاضة، سيطبع رؤيته ومواقفه السياسية في المرحلة القادمة. في ذلك الوقت، لاحظ الإبراهيم التهميش السياسي والاجتماعي لطائفة كاملة في المملكة. في بداية الثمانينيات، سافر الإبراهيم لدراسة إدارة المنشآت النفطية في كوريا الجنوبية، ضمن بعثة من شركة «بترومين شل» النفطية. هكذا، انقطع عامين عن مشروع المعارضة «الكامنة»، في وقت كان فيه الحراك السعودي شعبياً و«غير منظم بطريقة حزبية صارمة». يصف تلك الفترة بأنها كانت اختباراً لتوجهه السياسي والفكري. من كوريا، توجّه إلى إيران، على الرغم من أن هذا الخيار «لم يكن سهلاً على عائلتي التي كانت تنتظر مني الالتحاق بمشروع الثالوث المدنّس أو المقدس: الوظيفة، والزوجة، والبيت»، لكن، لماذا إيران؟ «كانت الجمهورية الإسلامية في ذلك الوقت حاضنة لكل حركات التحرر في المنطقة. طهران كانت كأي عاصمة ثورية في العالم، وأدّت دوراً أدّته سابقاً القاهرة وموسكو وبكين».
في بلد الملالي، انضم الإبراهيم إلى «منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية». وبعد انتهاء الحرب الإيرانية ـ العراقية، ووفاة «رمزي الملهم» الإمام الخميني، كان على صاحب «صناعة الخوف ـــ الأبعاد الاجتماعية والسياسية والدينية» أن ينتقل إلى سوريا، التي قضى فيها عامين، تبدل خلالهما الخطاب السياسي للمنظمة التي ينتمي إليها، من خطاب ثوري، إلى خطاب إصلاحي، وتغيّر اسمها إلى «الحركة الإصلاحية الشيعية في الجزيرة العربية»، مع استبدال مجلة «الثورة الإسلامية» التي كانت تصدرها في بيروت، بمجلة «الجزيرة العربية» التي بدأت تصدر من لندن مع انتقال المجموعة إلى هناك، وكان الإبراهيم مدير التحرير في المجلة الجديدة.
في عاصمة الضباب عام 1991، بدأ بالتبشير مع أصدقائه في التنظيم بأفكار حقوق الإنسان والحريات. اليوم، يفخر الإبراهيم بأنه تبنى خطاباً وطنياً، على الرغم من كثرة المعوقات: «ضعف الثقافة الوطنية أفشل الاندماج الوطني، وهو ما انعكس على وضعنا كمعارضة متشظية مثل الدولة السعودية نفسها».
في عام 1993، بدأ الملك الراحل فهد بن عبد العزيز بالتواصل مع المعارضة في العاصمة البريطانية وفتح حوار معها، خشية من تشكّل جبهة ضده قوامها الشيعة والسلفيون المعارضون لحكمه. شارك الإبراهيم في المحادثات بين لندن وبيروت، وتلقى حينها أول أمر ملكي. يبتسم الكاتب السعودي بسخرية، وهو يتذكر طلب الملك فهد بإيقاف مجلة «الجزيرة العربية» بعدما صدر منها أكثر من 30 عدداً. «في جلسة لدى الراحل جوزف سماحة في مكتبه في «الأخبار»، أسف لإيقاف المجلة التي كانت من أكثر الإصدارات الصحافية مبيعاً في لندن. حتى إن مسؤولاً بريطانياً قال لي حينها: أنتم أوقفتم معارضتكم لآل سعود، لكن لماذا وافقتم على إيقاف المجلة؟ دعونا نرى الوجه الآخر من المملكة!». حسب الاتفاقية التي جرت، عاد فؤاد الإبراهيم مع معارضين آخرين إلى السعودية، فيما بقي البعض في الخارج «لاستكمال نشاطهم لو حدث الأسوأ». بعد سنتين من وصوله إلى المملكة، رأى الإبراهيم أن السلطة السعودية «كذبت ولم تفِ بوعودها برفع التمييز الطائفي ومشاركة المعارضة في الحياة السياسية». كل محاولاته للملمة زملائه في «الحركة الإصلاحية» عبر اجتماعات تحت ظلّ النظام، وإصدار مجلة «الواحة»... لم تنفع. هكذا، قرر الخروج من السعودية بحجة استكمال دراساته العليا.
بعدما تولى رئاسة تحرير مجلة «شؤون سعودية» في عام 2003، قدم رسالة ماجستير عن «مشروعية الحزب الديني»، قبل أن ينال الدكتوراه من «جامعة لندن» عن رسالته «الشيعة في السعودية». يقول الإبراهيم إنه في البداية لم يخرج عن التقليد الديني السائد في الفكر الشيعي، فكان كتابه الأول «الإمام الحسن ــ القائد والتاريخ»، لكن في نهاية التسعينيات، مع التحول الكبير في خطابه الفكري، وتأثره بكتّاب ومفكرين «خرجوا عن المألوف الشيعي، مثل علي شريعتي»، كان على الشاب الثلاثيني أن يناقش الفكر السياسي الشيعي من باب الفقه، فوضع كتابه «الفقيه والدولة ــ الفكر السياسي الشيعي» الذي أثار جدلاً، قبل أن تكر السبحة مع «السلفية الجهادية في السعودية»، و«صناعة الخوف ـــ الأبعاد الاجتماعية والسياسية والدينية» وغيرهما، وصولاً إلى «جذور الإسلام والتشيع شرقي الجزيرة العربية ـــ البحرين التاريخية» الذي صدر أخيراً عن «دار المحجة البيضاء» في بيروت.
الإبراهيم الذي يصف نفسه بأنه «نصف أب» لولدين وبنت، «بسبب غيابي وانشغالي الدائم عنهما»، يرفض تشبيه ثورات الربيع العربي بما حدث في إيران الأمس: «ما حدث هناك هو قطع رأس النظام، لا إسقاطه». ويضيف: «ما زالت البنى القديمة في بلدان الثورات العربية متماسكة، أمنياً وسياسياً وفكرياً». يفضّل وصف ما يحدث في ساحات الربيع العربي بأنه «نصف ثورة ونصف انقلاب»، ويشرح: «يمكنني القول إن ما يجري هو نصف انقلاب، لا نصف ثورة». على الرغم من رؤيته التشاؤمية إلى مجريات الربيع العربي الذي «انتصرت فيه الثورة المضادة»، يبدو الإبراهيم متفائلاً بالحراك الشعبي في السعودية. يشعر اليوم بأن بلده يتطور بسرعة، ولا يستبعد انتقال المملكة إلى الديموقراطية قريباً. مع ذلك، يرفض سيناريو تفكك البلد، ويقدّم سيناريو إيجابياً بدلاً من ذلك: «أن تتفق القوى السياسية والاجتماعية على عقد اجتماعي جديد، يكفل التمثيل المتكافئ والمساواة». يرى أن ثورة بلده المقبلة «ستأخذ أشكالاً متعددة: تظاهرات مليونية، عنيفة في بعض المناطق، اعتصامات وعصيان مدني... في الوقت الذي لا يملك فيه النظام سوى السلاح الطائفي للمواجهة». يقول: «علينا العمل لكي نصل في يوم من الأيام إلى دولة يتعايش فيها الجميع. علينا إلغاء الحواجز الطائفية، والتفاهم في ما بيننا باعتبارنا بشراً نستحق العيش والمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية»، لكن إلى ذلك الوقت، يبقى فؤاد الإبراهيم متابعاً «لدولة سعودية جديدة اكتشفتها على موقع تويتر. إنه بلد جديد، بدأ الشباب يصوغونه كنموذج لدولتهم المقبلة. لن يطول الوقت لنشهد انتقال هذه الدولة من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع».




5 تواريخ

1960
الولادة في محافظة القطيف شرق السعودية

1979
مشاركته في انتفاضة المنطقة الشرقية في السعودية، أو ما عُرف بـ «انتفاضة 1400»

1984
سافر إلى إيران، وبدأ معارضة النظام السعودي على نحو علني

2004
حاز شهادة الدكتوراه من جامعة لندن عن رسالته «الشيعة في السعودية»

2012
صدور كتابه «جذور الإسلام
والتشيع شرقي الجزيرة العربية ـــ البحرين التاريخية» (دار المحجة البيضاء ـ بيروت)