لم يتهرّب «آندي وارهول الصين» يوماً من حقيقة تحوّله إلى ماركة عالمية. يعترف آي ويوي (1957) بذلك بسهولة، رغم الخفة والإحالة الاستهلاكية التي يحملها التوصيف. تجهيزاته الفنية العملاقة في المدن العالمية لم تعد وحدها بصمة الفنان الصيني المشاكس. اكتسح ويوي الفضاء الافتراضي استكمالاً لتنفيذ واجبه بـ«التكلم عن الناس الخائفين»، فنشر قبل أشهر صوراً مع اللاجئين السوريين الواصلين إلى جزيرة ليسبوس، قبل توجههم إلى أوروبا. أمس، امتلأ حسابه على «انستغرام» بصور وفيديوات قصيرة من مخيمي صبرا وشاتيلا ولقطات أخرى في العاصمة اللبنانية. هكذا عرفنا بزيارته للبنان، بعدما مكث خلال الأشهر الماضية في اليونان، حيث أقام استديو له بالقرب من اللاجئين السوريين. إحدى صوره الأخيرة على «انستغرام» تظهره مع مديرة مكتب بيروت لـ«مؤسسة كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط» مهى يحيى. الأخيرة، شاركت بشهادة ضمن فيلم يعده ويوي عن أزمة اللجوء العالمية، «قبل أن ينتقل للتصوير في الأردن» كما قالت لـ«الأخبار». تجاورت هذه الصورة مع لقطات أخرى من شوارع المخيم تظهر الأعلام الفلسطينية وصوراً لجورج حبش وياسر عرفات وجملة «لا إله إلا الله» وفيديوات لرجل ينطلق بدراجته النارية مع طفلة تجلس خلفه، وامرأة تكنس الشارع... بهذه المشاهد اليومية، أعلن ويوي عن وصوله إلى لبنان، البلد الذي لا يبدو أنه سيكون المحطة الأخيرة في عمله على أزمة اللجوء. إذ يستعد الفنان المشاكس لإقامة معرضه المقبل ابتداء من 20 أيار (مايو) في «متحف أثينا»، وسيحوي أعمالاً قديمة وأخرى سياسية جديدة، على أن يتبرع بـ 10% من الأرباح إلى اللاجئين. «الحياة ليست مكاناً آمناً»، كذلك الممارسة الفنية التي يعرف ويوي جيداً كيف يورّطها في أقسى الكوارث البشرية. في كانون الثاني (يناير) الماضي، أعلن سحب أعماله من معرض «آي ويوي: انقطاع» في قاعة «مؤسسة فورشاو» (كوبنهاغن) قبل انتهائه بشهرين ونصف شهر. لم يكن ذلك إلا احتجاجاً على قرارات السلطات الدنماركية بحق اللاجئين؛ من بينها مصادرة مقتنياتهم وأموالهم. في اليونان أيضاً، ارتمى ويوي على الشاطئ وأغمض عينيه موجّهاً تحية إلى الطفل السوري إيلان كردي الذي قضى العام الماضي غرقاً في البحر في صورة نشرتها مجلة «إنديا توداي». في الفترة الأخيرة، بدأ طيفه يؤرق التظاهرات الفنية الكبيرة. اقتحم ويوي الدورة 66 من «مهرجان برلين السينمائي»، موجّهاً تحية إلى اللاجئين في العالم، إذ لفّ الأعمدة الشاهقة لمسرح «كنزرثيوس» في برلين بسواتر نجاة كان قد جمعها من اللاجئين السوريين الحالمين بالعبور إلى أوروبا. لا بأس بتدخل آي ويوي «للإزعاج» مجدداً، كما وصف كثيرون خطوته حينها. «الرجل الأخطر في العالم» عكّر أجواء حفلة جمع التبرعات للاجئين «السينما من أجل السلام» على هامش المهرجان البرليني. دعا النجوم إلى التصوّر بالأغطية الصفراء الحرارية اللامعة التي تستخدم لحالات الطوارئ. الأغطية غطت منحوتاته في شوارع براغ لتذكير الناس مجدداً بأن مأساة إنسانية تحدث في النصف الآخر من العالم. الفنان الذي صنفته مجلة ArtReview، ضمن لائحة أكثر 100 فنان تأثيراً في العالم، دفع ثمن مواقفه بسبب نضاله الحقوقي المعارض لنظام بلاده الاقتصادي والسياسي. هذا ما حصل بعد تجهيزاته الفنية عن زلزال سيتشوان 2008، التي انتهت بإقفال مدوّنته وبنزف في الدماغ وبهدم استديو عمله في شنغهاي وبالسجن لثمانين يوماً من دون تهمة واضحة. حدث ذلك كرد على فيديو أنجزه بمساعدة حوالى 50 باحثاً متطوعاً، يكشف أسماء 5,205 من مجمل ضحايا الزلزال الذين تهربت الحكومة الصينية من الكشف عن أسمائهم، في محاولة للتخفيف من هول الكارثة. إلى جانب جملته الشهيرة «اللعنة على الوطن الأم»، بقيت الصين حاضرة في أعماله المفاهيمية في كل بلدان العالم. هكذا فرش أرضية قاعة توربين في «متحف تايت مودرن» في لندن بحوالى 100 مليون حبة من بذور دوار الشمس عام 2010، احتجاجاً على الإنتاج الصيني الهائل اللاهث وراء تلبية احتياجات الاستهلاك الغربي على حساب الظروف اللاإنسانية لملايين العمال الصينيين الفقراء. اليوم، تتوجه أنظار الفنان المنخرط في قضايا عصره، نحو اللاجئين السوريين للقول مجدداً لأوروبا والعالم إنّهم لا "يمنحون اللاجئين الحبّ ولا الكرامة الإنسانية".