يُجَنُّ جنون البحيرة من سحر سطحيّة الهواء.
■ ■ ■

للجمال إيقاعٌ يدوم بعد أن يتلاشى إيقاع الموسيقى والرقص. الإيقاع الأدْوَم طيف يترك عبورُه الحاجة إلى إدمانه.
يمرّ وينسى أنّه يمرّ...

■ ■ ■

إنّما نحن، قَبْل مَن يحبّنا، أطياف.
خلال حبّنا نغدو أجنحة.
بعد انقضاء حبّنا نصير غياباً ووراءه اصداء.

■ ■ ■

يبدأ الشرّ بالحساب وينتهي بالضياع. يفتح الباب وينطلق ثم تهرب منه الطريق. منطلق الشرّ الذكاء ومصيره العدم.

■ ■ ■

يستضيء الشرّير بنجمة الكبرياء. يقضي نهاره في صَرْف الأنظار عن ليله. عندما يباغته نَدَمٌ يضحك، كأنّه يقول: «ما أنا غير طفل».

■ ■ ■

يخاصم الخوفُ الإنسان، والشرُّ يقاتل الله.

■ ■ ■

«تقودنا الشهوة فنرتكب الشرّ.
يقودنا الغضب فنرتكب الشرّ.
يقودنا الجهل فنرتكب الشرّ.
يقودنا الخوف فنرتكب الشرّ».
(من تعاليم بودا)

■ ■ ■

ليس لنا أن نفعل الشرّ، فهو مفعول بدوننا.
باقٍ لنا استطاعةُ فعلِ الخير.

■ ■ ■

يتملّكنا الفزع أمام عيون القطط لأنّ فيها رسالتين على الأقلّ: واحدةٌ تُذكّر بما كان وواحدة «تُذكّر» بما سيكون.

■ ■ ■

حذار! عندما تَتَدمَّر روح هناك، قد تدعس أنت على غبارها هنا ولا تدري...

■ ■ ■

تستمرّ الأمّ في إرضاع طفلها بعد أن تلفظ أنفاسها الأخيرة. غير أنه حليب شفقة الكائن البشري لا على الرضيع ولا على الذات، بل على الخَلْق من جليد قلبه وعلى الخالق من دموع عجزه.

■ ■ ■

أحياناً يجب أن نخطئ. يجب أن نخطئ ليُغْفَر لنا. لماذا؟ لأنّ ثمّة نقصاً فينا لا يكون قد اكتمل نقصاً، فيكتمل، وبعد تمام النقص إمّا تلاشٍ وإمّا انبثاق جديد. لماذا؟ لأنّ سعادة هذا لا تحصل بدون شقاء ذاك، ولأنّ ما وصلنا إليه عرفناه قبلاً ولم ننتبه. عرفناه لأنّنا لم نكن ننتبه.

■ ■ ■

هناك أحلامٌ وضيعة كما أنّ هناك طيوراً من نوعِ الغراب.

■ ■ ■

الدمع لا يحترق كما يجفّ النبع بل كما يغور النبع في الصخر. يغدو صاحبه كنبيٍّ لا ينادي، يحدّق، يَصْمت، لا ينوح فوق السطوح، بل لا أحد يرى نبوّته. نبيُّ الحواس المغلقة على ذاتها.
الدموع المحروقة شخصٌ باحتمالين: ملاكُ رحمةٍ أو سَفّاح.

■ ■ ■

البداية تيه
المتابعة تَشَرُّد
النهايةُ قلوبٌ موصدة.
الثلث الأوّل غشاوة
الثلث الثاني وَدَاع
والختامُ صَدّ!؟

■ ■ ■

خَلَقَ الله الوردة بيضاء.
عندما رأت آدم يتأمّلها وهي تتفتّح، استحتْ، ومن خجلها صارت حمراء.
هكذا تقول الحكاية.
ولا تقول لماذا استحتْ، أَمِنَ النظرِ إليها أم من خواطرها؟

■ ■ ■

في ماضي كلٍّ منّا ما يُشعره بأنّه كان ألعوبة لآخرين. هذا شأني. وفي الماضي ما يُشعر بأنّ الآخرين كانوا دمىً لنا. هذا شأني أيضاً.
الاعتراف ليس بطولة، ولا نفع منه. النتيجة من ملاحظة كهذه، ملاحظة بعد فوات الأوان، أنّ المرء عاجزٌ غالباً عن تقييم سلوكه بموضوعيّة صارمة، إلّا «بعد فوات الأوان».
هل يكون تفويت الأوان شرطاً للتقدُّم!؟
هل هو «حالةُ النعمة» التي تتيح من هنا إسعاد الآخر ومن هناك استغلاله؟
إذا بدأتَ تنظر إلى ماضيك بهذا البرود، بهذه النزاهة الجافّة، فهذا لأنّه لم يعد لك مستقبل.

■ ■ ■

مُنْتقِدُ الماضي مزعج لأنّ الحاضر ــــ وهو الأفضل، في نظره، من ذلك الماضي ــــ لم يتحسّن بفضل مساهمة المنتقد، بل جاء إلى المنتقد وأمثاله بلا عنائهم.
الماضي عندما كان حاضراً كان مجايلوه يزعجون آباءهم بانتقاد الماضي السابق. وكان سبب الإزعاج هو ذاته.
إلخ...

■ ■ ■

تنضج النفس بنقعها في العذاب لكنّها تشفّ وتُضاء بكتمانِ أسرارِ الآخرين.

■ ■ ■

يُخيَّلُ أحياناً أنّ الأشياءَ الصامتة المقلقة تعرف أنّها تبعث فينا الهواجس و«تتصرّف» على هذا الأساس...

■ ■ ■

ما أهون الغور السحيق أمام الغور الساحب علوّاً!

■ ■ ■

غيابٌ يستضيفُ محبّين توّاقين، أم حضورٌ سيُتخم الشركاء؟

■ ■ ■

إثارةُ الشفقة اتّقاءً للحسد.
في التَمَسْكُن أنتَ ضحيّة بالقوّة وفي الحسد ضحيّة بالفعل.
خوفُ الحسدِ يرمي بك في الخبثنة والقرف من الخبثنة يرمي بك عارياً تحت العيون.
السكرانُ وحده ينجو.

■ ■ ■

لولا الدلال لما غرّد بلبل.
لولا الرغبة في انتزاع الإعجاب
لولا الدلال لما خرج أحدٌ من بيته.
الذي يتدلّل في الكائنات هو شعاعُ النور.
التيهُ معترفٌ به للنساء ومُنْتَقدٌ في الرجال، لكنّ الرجال أَتْيَهُ في نفوسهم من النساء على كعوبهنّ.
في تيهِ المرأةِ ما في تجويد البلبل: تلك هديّة للعين وذاك نعمة للأذن. أمّا الرجل فليس في تيهه إلّا الغرور والسلطة، والغرور جزءٌ من عدّة الأنوثة عندما لا تخرج عن سياج الطفولة وإلّا هُزّئت، وأمّا العصفورُ فليس به من الغرور إلّا البراءة.
أعجبُ ما في الدلال أنّ صاحبته تُوهمنا أنّها أكملُ منّا.
ولهذا نعشقها.

■ ■ ■

الجنونُ قناعُ الحكيم وقناعُ الجنونِ الحبّ.

■ ■ ■

نيّال مَن يُحقّق ذاته. نيّال مَن تُحقّق ذاتها!؟ لا أعرف. هل تستطيع؟ وما هو تحقيق ذاتها؟ الحبّ؟ الزواج؟ الأمومة؟ أم هذه هي القوالب الثلاثة التي دُرّبتْ على الاكتفاء بها منذ قاد الرجل عربة التاريخ؟
هل للمرأةِ ذواتٌ أخرى؟
الحريّة، الاكتفاء الذاتي، الإنجاب بلا زواج... طلائعُ تنتشر نماذجها هنا وهناك. في مجتمعنا تكثر الصبايا المصمّمات على الإنجاب بلا زواج، كما تكثر الصبايا الراضيات بعزوبتهنّ الرافضات للزواج. سُبُلٌ ستفتح المجال لاكتشاف ذاتٍ نسائيّة مختلفة، جديدة عمّا اعتادته الهيكليّات البطريركيّة، جديدةٌ ومجهولة على النساء أنفسهن.
ما أهرم شيخوخة الرجل أمام صبا المرأة الذي بالكاد نراه يبدأ...