يقدم المخرج الشاب جان كلود بولس على «مسرح بابل» عرضاً مقتبساً عن نص «منامات» للكاتب والمخرج المسرحي اللبناني الكندي وجدي معوّض (1968) الذي قدمه للمرة الأولى عام ١٩٩٩ ثم أجرى عليه بعض التعديلات وقدمه مجدداً عام ٢٠٠٢. وفي العام نفسه، صدر النص عن منشورات Actes Sud. كسائر أعماله، يتميز نص معوّض بنفحة شاعرية أدبية تطغى أحياناً على الفعل المسرحي، حيث يظهر افتتان الكاتب بالتراجيديا اليونانية عبر شخصيات تقف على حافة الوجود.
يركز «منامات» على ليلة واحدة يقضيها كاتب في إحدى غرف فندق متواضع ليعالج عجزه عن استكمال تفاصيل روايته عن شخصية سليمان، «رجل يمشي على البحر». أمسية واحدة لا تتعدى خمس ساعات حيث يستحضر لاوعي الكاتب إيزيدور التي تساعده على فك عقم الكتابة وسطوة الصفحة البيضاء، وتسعى إلى حلّ مصير شخصيته سليمان. لاوعي الكاتب يُخرِج على الخشبة ــ بمساعدة إيزيدور (أطلق عليها معوّض هذا الاسم تكريماً للشاعر الفرنسي لوتريامون) ــ شخصيات متعددة تدعي جميعها أنها سليمان: سليمان الصامت، سليمان المنهار، سليمان الضعيف... يكشف لاوعي الكاتب لنفسه أنّ كل تلك الشخصيات ليست سواه. يحدث كل ذلك مع حضور قوي لمالكة الفندق التي تبدو ثرثارة ومتطفلة في المشهد الأول. لكن سرعان ما يكتشف المشاهد أنّ لتلك المرأة حكاية تتقاطع بشكل ما مع شخصية الكاتب، فابنها هو أيضاً كاتب اخترع لنفسه شخصية أطلق عليها اسم لوريكاني. تشكل الحرب طبعاً الطيف الأكثر حضوراً في العرض: سليمان المنهار الذي يذكر حديقته وحديث والده عن القذيفة، زوج مالكة الفندق التي توفيت في الحرب...
يطرح العرض تساؤلات متعددة مرتبطة بالعملية الإبداعية وارتباطها بواقع غير مرغوب من جهة، وتقاطعها مع أحداث محيطة بحياة الكاتب. ليس عرضياً هذا التقاطع بين الكاتب الذي يكتب شخصية رجل يمشي على البحر، والأم التي فقدت ابنها الكاتب الذي انتحر وكان شغوفاً بشخصيته «الأوريكاني» التي ابتكرها وتذكّرنا بالقبائل البدائية التي لم تصلها بعد كل مغريات العالم الحديث الذي تغزوه الحروب.
يحفل النص برمزية وشاعرية تحتاج إلى أداء يبرز وقع الكلمات وما يختفي خلفها من مواقف. كما يحتاج إلى رؤية إخراجية تدوزن الروح الشاعرية والرمزية للنص مع النفس الملحمي الكامن فيه مع أفعال مسرحية واضحة، محددة وقابلة للتصديق أو التفاعل معها.
رغم الجهد الكبير الذي أولاه جان كلود بولس، الذي يخوض تجربته الأولى في الإخراج المسرحي، عبر إدارة 13 ممثلاً وممثلة، إلا أنّ العرض وقع في دوامة الملل. هو الخطأ ذاته يتكرر حين نكتفي بتسميع النص مفخماً من دون البحث في خلفيات الشخصيات وأسباب بوحها ونمط أفعالها. كان أداء معظم الشخصيات مدّعياً وغير مبرر. تحوّل معظم الممثلين إلى أدوات تنقل النص بشكل مفتعل على الخشبة، باستثناء رويدا الغالي التي أدّت دور مالكة الفندق وأمّ الكاتب الذي انتحر، وهبة نجم التي أدّت دور إيزيدور. بدا أداء كل من تلك السيدتين أقرب إلى التصديق والتفاعل معه. أولت رويدا الغالي عناية كبيرة بتفاصيل أدائها، وكذلك فعلت هبة نجم.
بدت سقطة الأداء أكثر ظهوراً مع رؤية إخراجية لم تعتن بعلاقة الممثلين مع الفضاء ولا بإيقاع العرض، ولم تضف بعداً على علاقة الكاتب بكل تلك الشخصيات السليمانية واستعاضت عن العناصر تلك بكليشيهات أدائية كان ممكناً تفاديها. في ظل كل تلك الثغَر، كان الوصول إلى معاني نص معوض صعباً.

منامات: 20:30 مساء اليوم ــ «مسرح بابل» (الحمرا) ــ للاستعلام: 01/744033