لا يمكن عنوان المسرحية إلا أن يحيلنا على تعليق الكاتب والفيلسوف الروماني إميل سيوران (1911ـــ 1995) على جملة تفوّه بها أحد المرضى العقليين (أنا شبيه بالدمية المتحركة المكسورة التي سقطت عيناها إلى الداخل)، فقال سيوران إنّ «العبارة التي نطق بها مريض عقلي، هي أعمق من كل الأعمال التي وُضِعت في الاستقراء الباطني».
ربما هذا ما تقصده زينة دكاش وزميلتها في الإخراج سحر عسّاف من عنوان عرضها الجديد «من كل عقلي...» الذي أنجزتاه مع نزلاء «مستشفى الفنار للأمراض العقليّة والنفسية والعصبيّة» بدعم من السفارة الإيطاليّة في بيروت. من قضبان السجن إلى أسرّة المستشفى، ومن الجرم إلى المرض، يستكمل «المركز اللبناني للعلاج بالدراما ــــ كثارسيس» عمله الذي بدأه عام 2007 بالجلسات العلاجية مع مدمني المخدّرات. يبقى التهميش المجتمعي الرابط الأساسي لجلسات العلاج بالدراما التي أقامها المركز مع سجناء «رومية» وسجينات «بعبدا» في السنوات الست الأخيرة، ونتجت منها مسرحيّتان وفيلم وثائقي هي: مسرحية «12 لبناني غاضب» وفيلم وثائقي عنها، ومسرحية «شهرزاد» العام الماضي. هكذا، اتخذ المركز ومديرته زينة دكّاش من المسرح والعمل من خلال الدراما مساراً لتقديم العلاج لتلك الشريحة المهمّشة في المجتمع اللبناني. بعدما شاهدت زينة دكاش الفيلم الذي أنتجته الهيئات الإيطالية عن «مستشفى الفنار للأمراض العقلية والنفسيّة والعصبيّة»، أتت فكرة العمل مع نزلاء المستشفى، لتبدأ جلسات العلاج معهم عام 2010 تحديداً. هذه الجلسات العلاجية ستتوج عند السابعة من مساء الغد بعرض «من كل عقلي ...» في «مسرح المدينة» (الحمرا _ بيروت). التهميش والهواجس والظروف المحبطة التي يواجهها المرضى داخل عزلتهم سيؤدّيها 16 نزيلاً في قالب مسرحي يعود نصّه بالكامل إلى قصص المرضى وارتجالاتهم التي ستتجلى في المسرحية ضمن ثلاثة أقسام (تعريف المرضى بأمراضهم. وقسم يخصّصونه لنظرة المجتمع إليهم، وقسم يتناول رسائلهم الخاصة التي يحبون أن يشاركوا الناس فيها). هذه الأقسام تجمع بدورها 14 مشهداً قصيراً، ومونولوجات. تقول دكاش إنّ المصاعب الكبرى التي واجهتهم خلال العمل هي «الاضطرار إلى التماشي مع وضع المرضى الصحي»، أي تأثيرات الأدوية في قدرتهم على التدرّب. وقد تم اختيار الممثلين الذين يملكون وعياً أكبر لحالتهم المرضيّة من بين حوالى 250 نزيلاً في المستشفى. ترى دكاش أنّ هذه التجربة تعد من الأفضل بالنسبة إليها، لأنها «أجبرتنا على تقبل عالمهم، ولو اختلفنا معهم»، مؤكّدة أنهم استطاعوا أن يحصدوا نتائج فعالة جداً، منها إخراج المرضى من عزلتهم وخوفهم: «عند بدء الجلسات، كانت إحدى المريضات تجيب عن كل الأسئلة بعبارة «ما بعرف».. لكنّنا نجحنا في جعلها تؤدي بطولة المسرحيّة». غداً، سننتظر جميعاً لحظة يعتلي الممثلون الجدد المسرح ليمارسوا فعل التلاقي مع المجتمع الذي لم يُتح لهم منذ سنين طويلة... ربما.



«من كل عقلي...» ـــ عرض وحيد عند السابعة من مساء الغد ـــ خشبة «مسرح المدينة» (الحمرا _ بيروت) ــ للاستعلام: 03/162573