تحوّل جميع المواطنين العرب إلى منظرين وفلاسفة بفضل فايسبوك وتويتر. ولا ضير في ذلك إن كان في الأمر مساحة لفضفضة ما، أو زفرة غضب في وجه ما يحصل من جنون. لكن ماذا عن المستوى المنحدر الذي وصلت إليه بعض الوسائل الإعلامية؟ قد لا يكون مستغرباً غياب الحد الأدنى من الأخلاق والمعايير المهنية عن إعلاميي الزمن الرديء بعدما قبل وسام صباغ رشى عدة على هواء قناة otv، قبل أن تتردد أخبار غير مؤكدة عن محاصصة القناة لمذيعها في ما حصده من غنائم! لذا، فقد صار كل شيء وارداً في عالم الإعلام، وخاصة في عاصمة الحريات.
بالتوازي مع ارتماء بعض الصحافة أمام بلاط الأمير القطري وهو يتنحى لمصلحة ابنه، حقق رئيس تحرير جريدة «الديار» اللبنانية شارل أيوب سبقاً جديداً وفريداً من نوعه. فبعدما ساعدته مخيلته الخصبة في نشر يوميات الرئيس السوري بشار الأسد، من ممارسة رياضته الصباحية وإيصال أولاده بنفسه إلى المدرسة أحياناً، وصولاً إلى إدارة الحرب من مكتبه مباشرةً، عاد أيوب صباح أمس لينجز فتحاً تاريخياً في مسيرة صاحبة الجلالة. وجه رسالة تجاوزت حدود المعقول افتتحها بالقول: «سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد حفظكم الله احترامي» كأنه يريد للقارئ اكتشاف كيف يتحوّل صاحب الكلمات فجأة إلى ممثل بارع يجيد تقمص شخصية مراسل فهلوي يعمل لدى الدوائر الحكومية السورية، أخذ يتلطّى على أبواب المسؤولين ليستدرّ عطفهم من أجل مكرمة ما. لكن ما إن ينتقل القارئ إلى السطور التالية حتى يكتشف أنّ أيوب قرر عدم المواربة، فضرب عرض الحائط بكل مفردات الخجل واستطرد مصارحاً الأسد: «إنني مضطر إلى بيع منزل والدي الذي أوصى بأن أورثه من بعدي»، ثم تابع موضحاً أنّ الاتهامات التي وجهتها إليه بعض الأقلام بأنّه مجرّد لاعب قمار ليست افتراءً محضاً لكونه مرّ بهذه التجربة.
لكن مهلاً، لا يمكن اختصار حياته النضالية كقومي سوري اجتماعي أقسم اليمين وهو في السابعة عشرة من عمره (كما قال في رسالته إياها) بهذه الصفة. لكن ماذا يفعل؟ الفقر كافر! ورغم إدراك أيوب لـ«هموم سيادته وتقديره لكونه القائد الوحيد الذي يقود الأمة العربية بالمفهوم القومي»، إلا أنّ ذلك لا يلغي إمكانية أن يفك الاسد «زنقة» رئيس التحرير الذي يمر في هذه الظروف العصيبة بمبلغ بسيط. و تابع أيّوب قائلاً: «أستحلفكم بالله أن تساعدوني بمبلغ 700 ألف دولار، وليكن ديناً رسمياً عليّ من خلال رهن جريدة «الديار» لأي مؤسسة إعلامية»، خصوصاً أنّ ابن خالة الرئيس رامي مخلوف يجني هذا المبلغ في نصف نهار، على حدّ معلومات أيّوب.
وبحسب الأخير، لن يكون المبلغ ثمناً للمواقف «البطولية» للصحيفة اللبنانية في وجه الهجمة الشرسة التي تشنّ على النظام السوري،. لقد أقسم أيوب بأنّه صادق في ما يقول، ليعود ويستحلف الرئيس بدماء الشهداء للرد عليه سريعاً. وهل يجوز للمناضل القومي المؤمن بقيادة الأسد أن يبيع بيت أبيه؟! على الأقل هو يستحق «مكافأة» تحفظه من الايام السوداء التي تمرّ عليه قبل أن تزيد الحالة سوءاً ويضطر إلى أن يمد سجادة الصلاة على أبواب المساجد.