إذا كان بعض اللبنانيين يحمّلون اللاجئين السوريين مسؤولية زحمة السير، فإنّ عليهم أيضاً الاعتراف بأنّ هؤلاء أضفوا مزاجاً مختلفاً على بيروت، وبثوا الحياة في بعض المفاصل الميتة من لبنان. تلك هي الحال مع المهندسة المدنية رغد مارديني التي سبقت إخوتها السوريين واستقرت في عاليه (جبل لبنان) منذ عام 2008.
بعدما كانت تعمل في ترميم البيوت الدمشقية العريقة، قرّرت البحث عن مكان قديم ترمّمه بالطريقة نفسها. بعد رحلة بحث قصيرة، عثرت على إسطبل للخيول عمره حوالى 200 عام تعود ملكيته لعائلة تلحوق، هدمته الحرب الأهلية، وظلت شجرة الجوز المعمرة واليابسة المزروعة أمامه هي الشاهد الوحيد على قدم المكان الذي وطئته الخيول الأصيلة.
«شجرة الجوز كانت هاجسي ولم يقنعني كلام المالك بأنها ماتت، رغم أنني لست خبيرة في الزراعة لكنني شعرتُ بإمكانية عودة الحياة إليها على أمل أن تكون بشرى سارة لمشروعي بشكل عام»، تقول مارديني لـ«الأخبار»، مضيفة أنّه «بالفعل نجحت في مساعدة اختصاصي زراعة في إعادة الحياة إلى شجرة الجوز التي أرخت بظلالها على المكان وأكلنا في ما بعد من ثمارها».
الأهم أنّ مارديني رمّمت الاسطبل بمساحته المفتوحة، حيث لم يكن فيه شيء صالح سوى «أقواس العقد» أي القناطر الأثرية، وأضافت إليه وسائل الحياة الطبيعية من مطبخ وحمام وقطع الأثاث ومدفأة. وحرصت على أن تكون الإضافات حديثة جداً لتتضح للزائر «الأصالة من المودرن»، و«لرغبة مقصودة مني في هذا التزاوج» تشرح مادريني. وتضيف: «استغرق الأمر سنة كاملة وانتهى كلياً في أيار (مايو) 2012». تزامن ذلك مع توافد السوريين إلى لبنان، حينها شعرت مارديني بأنّها تستطيع تحويل المكان إلى ملتقى لعدد كبير «من أصدقائي الفنانين الذين كنت على تواصل قديم معهم، إضافة إلى استمرار علاقاتي مع أجيال جديدة من الفنانين السورين الذين قدموا إلى بيروت، وكنتُ على اطلاع على ما يعانونه من أزمات نفسية واقتصادية ومعيشية».
وتتابع: «إذا كان معظمهم عاجزين عن تأمين سكن، فكيف لهم أن يؤمنوا مرسماً أو معرضاً؟». من هنا جاءت فكرة تحويل المكان إلى غاليري وملتقى أطلقت عليه اسم «مكان الإقامة الفنية في عاليه»، ودعت إليه كل أصدقائها من متخرجي «كلية الفنون الجميلة» في دمشق وغيرهم، على أن تقدم لهم المكان للإقامة مع مبلغ بسيط أسبوعياً، ليكون المقابل عملاً فنياً يتركه الفنان في الملتقى.
ومع إنجاز تسعة أعمال فنية مختلفة من لوحات تشكيلية ومجسمات ومنحوتات، أطلقت مارديني معرضاً ضم 24 عملاً. تعود القطع إلى مجموعة فنانين شباب من بينهم ميلاد أمين، ووسام معسعس، وسماح عبد الحميد، وخالد البوشي.
يقول الأخير لـ«الأخبار» إنّ مشاركته كانت فرصة لتفريغ شحنة سلبية حملها معه من عنف عاصره في دمشق. هكذا، أنجز أربع لوحات في شهر واحد أمضاه في الملتقى: «لم أحب ما أنجزته، خصوصاً أنني أبتعد عن عملي المعتاد على الأكريليك واستخدمت المعدن والاسمنت والقماش بشكل قاس. لكن الفكرة كانت فرصة حقيقية للانطلاق من جديد». أخيراً تجزم رغد مارديني بأنّ مشروعها لا يتخذ أي صبغة سياسية ولا ربحية، بل هو «فسحة للأمل قامت على الجهد الممزوج بالحب».