بلمح البرق، يمرّ الوقت برفقة أراكس تشيكجيان (1955) المعروفة بـ«أراكس»، وهي أول مغنية أوبرا في سوريا. تمر حكاية هذه المرأة من ساحة الأمويين في دمشق حيث «دار الأوبرا» التي خرّجت كوادر متمرسة في الغناء الأوبرالي، لتصل أخيراً إلى منطقة الأشرفية في بيروت. نقلت أراكس مدرستها إلى مبنى «بطريركية الأرمن الكاثوليك» من دون أن تستكين لليأس، أو لمقولة «مستقبلي أصبح ورائي» التي يطلقها بعض الفنانين حين يتقدمون في السن.
حطت أراكس رحالها في العاصمة اللبنانية بعدما ضرب الإرهاب «دار الأوبرا» مع اندلاع «معركة الأركان» في دمشق لتتحطم واجهة البناء الشهير، قبل أن تقرر أستاذة الغناء الأوبرالي الابتعاد إلى بيروت. في حديثها لـ«الأخبار»، تفتح أراكس لذكرياتها، وتقف على أطلال الاتحاد السوفياتي حيث درست ونالت شهادة الماجستير عام 1983، لتقرر بعدها العودة إلى مدينة حلب (شمال سوريا). هناك، بدأت بتعليم الأوبرا رغم العروض الكثيرة التي انهالت عليها في روسيا. ومن ثم انتقلت إلى دمشق حيث بذلت جهوداً حثيثة لتعليم للغناء الأوبرالي في «المعهد العالي للموسيقى». لم تتوقف أراكس هنا، بل راحت تخرّج كوادر غنائية مهمة من «دار الأوبرا» نذكر منها رازق بيطار، وتالا دكرمنجيان اللذين حجزا لنفسيهما مكاناً هاماً على خارطة الغناء الأوبرالي العالمي. «لم تكن سوريا تملك مغنية أوبرا سوى لبانة القنطار، لكن بعد جهود سنين، صارت «الدار» تعج بالفرق والكوادر المؤهلة، وهذا أهم ما صنعته لبلدي»، تقول أراكس، مضيفةً أنّ «التمرين على الغناء الأوبرالي ضرورة بالنسبة إلى الغناء الشرقي، لأنه يمكّن الفنان من الاعتماد على عضلات بطنه أكثر من حباله الصوتية، ما يجعله يحتفظ بصوته مهما تقدم في العمر، وخصوصاً المطربات اللواتي يتعرضن لتقلبات فيزيولوجية قد تحرمهن جمال أصواتهن». وقالت أراكس إنّ هذا الأمر يحصل عادة مع الكثير من نجمات الغناء العربي، فيتذرعن بأن «الجمهور عايز كده» حين يتدنى مستواهن. لكن الحقيقة أنّ الجمهور يعشق الطرب الأصيل، والدليل هو كل برامج اكتشاف المواهب التي يركز فيها المشتركون على الطرب الأصيل. من جهة أخرى، تنفي أراكس ما تردد في إحدى المجلات عن مهاجمتها لأم كلثوم، مؤكدةً أن كل ما قالته هو أن «كوكب الشرق» كانت تمتلك سرّ الجمال الاستثنائي في صوتها، وهو تعلمها الغناء الأوبرالي وتطويعه في الغناء الشرقي، إلا أنها لم تبح بهذا السر ومات معها، لافتةً إلى أنها اكتسبت هذه الطريقة في الغناء من والدها المقرئ الذي كان يحترف الغناء الأوبرالي أيضاً.
أخيراً، تؤكد أراكس أنّ الحضور السوري المكثف اليوم في الساحة اللبنانية يغني الحركة الفنية، متمنية أن يخرج الجميع من تصنيفات التقسيم: «جميعنا أبناء وطن واحد». ولا تنسى أراكس أن تخبرنا أنّه في الكثير من الأحيان، يلتحق بطلابها بعض نجوم الدراما السورية، وكان آخرهم الممثلة سوسن أرشيد التي تحرص على تطوير موهبتها دائماً.