إنْ لم يكنْ مِن أجلِ كأسِ عرقٍ في «باب توما»أو سهرةِ صعاليك على ضفافِ دجلة
أو بَكْوَةٍ على بابِ «خان أيوب» المفْتَقَدْ،
فعلى الأقلّ يا سعدي، على الأقلّ يا سعدي يوسف،
تعالَ إلى «هنا»!، أو قلْ لي: تعالَ إلى «هنا»!
فقط، لكي أراكَ وتراني للمرّةِ الأخيرةْ
ونَختمَ الحياةَ بدمعةْ.

■ ■ ■


لا أنتَ ممّن يلتمسون الأعذارَ، ولا أنا.
لهذا، يا سعدي،
لا أنتَ ستقول لي: الطريقُ طويلةٌ ومُضْنِيةْ
ولا أنا سأسمحُ لنفسي بالقول:
الصحّةُ سيئة، والأُمورُ على قدِّ الحالْ.
لا أنتَ، ولا أنا؟
فإذن، يا سعدي،
ما الذي يجعلُ المسافةَ بين هنا وهناكَ بعيدةً كلَّ هذا البُعدْ؟
ما الذي (إلهاً كانَ ، أو حرباً ، أو مُعاكَسةَ أقدار)
يجعلُ الطريقَ بين دمشقِكَ وعِراقيْ
أطولَ وأهْوَلَ من طريقِ المتنبي إلى نَجْد؟
ما الذي؟ وما الذي؟...

■ ■ ■


نمْ إذنْ يا سعدي!
نمْ نَومةً أخيرةً وقاضيةْ
وأغلقْ وراءكَ الباب، والأملَ، ومَهَبَّ نسيمِ الذكرى!
نومةً أخيرةً وقاضيةْ!
لا العراقُ الذي عرفتَهُ سيعود،
ولا الشامُ التي عرفناها،
ولا اللّهُ الذي لم نعرفْهُ.
سيعودً برابرةٌ، ومشعوذون، وأَكَّالو قلوبٍ، وأصحابُ أدمِغةٍ فاجرة،
وسماسرةُ سماواتٍ غامضون، وسُعاةُ دمٍ وسلامٍ أسْود...
سلامٍ يُمَجّدُ العدمَ، ويُدمي الأفئدةَ والأرحامَ والعقول.
سيعودُ السديمُ الأوّل.

■ ■ ■


آهِ، ما الفائدةْ؟
نفدَ اليأسُ والصبرُ والخوفُ (خوفُ الذبيحةِ) ممّا أتى أو سيأتي.
نفدَ العقلُ، واستَفحَلَ الظَلَموتُ الذي يُذْهِبُ العقلَ.
ما الفائدةْ؟
ثمّ : ما الفائدةْ؟
لكأنْ نحن لسنا اللّذَين حَلمْنا...
نحن لسنا اللّذَين نفخنا على صخرةِ الربّ كي يُفتَحَ البابُ.
لسنا اللَّذَينْ...
أبداً، أبداً!
نحن لسنا شريكَين في الوردِ
لسنا شريكين في قطفِهِ وامتِداحِ عطاياهُ،
حتى ولسنا شريكين في أنْ نقولَ: جميلٌ هو الوردُ.
لا!
نحن محضُ شريكَين في حُلُمِ الوردِ (كنا شريكين)...
والآن لا فائدةْ.
نحن موتٌ وموتٌ يُقيمان في قارّتينِ
ويَنتَحبان على ضفّتينِ...
ويَستَعجلان الفرارَ إلى ظُلمةٍ واحدةْ.

29/7/2014