على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

ضربت عاصفة هوجاء المنطقة التي أقطنها في كاليفورنيا، فأدّى ذلك إلى انقطاع الكهرباء لمدة زادت عن اليوميْن. وهذه أطول مدة انقطاع منذ رحيلي عن لبنان في عام 1983. وغياب أجهزة التواصل الإلكترونية يفقدك مكتبتك الإلكترونيّة، ولا سيّما أنّني أصبحتُ معتاداً على قراءة الكتب والصحف رقمياً. قلتُ أعيد قراءة كتب توفيق الحكيم بعد أن كنت قد تحادثتُ بشأنها مع الصديق (الجديد) طلال شتوي. توفيق الحكيم شخصية معقّدة للغاية: شخص متحرّر من قيود كثيرة وأسير قيود أخرى. هذا لم يُسرّ لنيله شهادة القانون لأنّه كان مشغولاً بكتابة المسرحيات والمساهمة في إعدادها. هو ينهل الفنون كافّة ولهذا لم يكمل الدكتوراه في القانون، مع أنّه نالَ ما هو أهم منها بكثير: المعرفة في الأدب الفرنسي والعالمي. يكتب بأسلوب صحافي جميل وسلس، من دون اعتبار لمتانة اللغة أو البلاغة أو التفنّن. إيصال الفكرة أهم. لكنّه يعبد الرجل الأبيض حتى الثمالة. حتى لمَن كان مثلي مطّلعاً من لبنان على ثقافة عبادة الرجل الأبيض المنتشرة، فإنّ عبادة توفيق الحكيم له متطرّفة. رسائله إلى أندريه (في «زهرة العمر») كفيلة بإثبات ذلك. وحتى في كتب أخرى، تسمع عن أندريه ويقول إنّه كان عندما تصله رسائل منه يحكم عليها من وزنها: لو كانت ثقيلة فإنّه يغتبط أيّما اغتباط. توفيق الحكيم عرضَ أن يدفع لأندريه كي يردّ على رسائله، وقال إن قلمه يبول ذهباً. إدوار سعيد درس الاستشراق الغربي، لكن من سيدرس الاسشراق العربي ونبذ الذات؟ توفيق الحكيم ينقل ما كتبه مستشرقو الغرب العنصريّون: يقول في «مصر بين عهديْن»: «العقلية العربية لا تشعر بالوحدة الفنيّة». وهذه فرية لقدماء المستشرقين وقد دحضها مستشرقون جدد، كما أخبرني يوماً متبرّماً محسن مهدي، أستاذ تاريخ الفكر العربي والإسلامي في جامعة هارفرد. حتى النظرة الاستشراقية إلى بنية القصيدة الجاهليّة تغيّرت، كما أخبرني. يفصل الحكيم ابستمولوجياً بين عقل غربي منظور وعقل «لذّة الحسّ والمادة». وهو لا يريد تجذّر مصر في العروبة، لا بل يعتبرها واحدة من المكوّنات فقط. الشخصية المصريّة يراها متفرّدة.

0 تعليق

التعليقات