ليس من السهل في وقتنا الراهن، أن يغامر أحد في وضع كل إمكاناته لخوض مشروع تجاري، خاصة إذا كان ذا طابع أدبي ثقافي. لكنّ المبادرات الفردية والشبابية دائماً ما تنتصر في الأزمنة الصعبة. بكثيرٍ من الإيجابية والتفاؤل، تجلس فاطمة ناصر، مديرة مؤسسة «قُمرة للبحوث والنشر» في جناح دارها في «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» (اختُتم أمس الأحد) مستقبلةً المارّين والزوّار. المساحة التي طالبت بها ليست هي التي حصلت عليها، لكنّ الأهم من وجهة نظرها المشاركة والتواجد في أهم معرض يقام في لبنان.
بمشاركةٍ هي الثانية بعدما رُخصت دارها بشكل رسمي، تحكي ناصر عن التجربة والبدايات خلال الأزمة المالية، وكيف انطلق المشروع بعد إجراء بحثٍ تجميعي حول استراتيجية العمل في حقل الأدب والطباعة، لتظهير معالم وتوجهات المؤسسة للناس كمنصة عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل أوّلي. هذه المبادرة جمعت عدداً من المتطوّعين في بادئ الأمر، من المدقّقين اللغويين والمحرّرين والمشرفين والمساعدين، يخضع كل منهم بشكلٍ متواصل لدورات تدريبة مكثّفة ومتواصلة، لكي يكون العمل متقناً، يليق بالشباب وكيفية إدارتهم للمشاريع الجديدة بعناية واحتراف.
أما عن مراحل النشر، فتقول ناصر إنّها تتسلّم المحتوى في مراحله الأخيرة، أي بعد تدقيقه وتنقيحه وتوليفه كونها مصمّمة غرافيكس، وتولى إليها مهمة التصميم والإخراج الفني قبل ذهاب المحتوى إلى الطباعة، التي لا تنتج إلا كميات قليلة، مخافةَ تحمّل مسؤولية وكلفة الأعداد الكبيرة كونها في طور التأسيس والانطلاق.
الإصدارات خلال هذين العامين تتنوّع ما بين الأدب (كروايات «ناسك الذكريات» و«لقاء المنعطف الأخير» و«رسائل الرحيل») والكتب التي تحمل الهوية التعليمية والإرشادية (كـ «سين جيم الكتابة»، من إعداد الباحثة زينب صالح)، إضافة إلى مشاركة كتاب عرب واهتمام الدار بتقديم محتوى لفئة اليافعين ومحبّي القصص القصيرة.
أما «نرسيس»، فرواية ذات طابع مختلف، ذلك أنّ كاتبتها أتت من إيطاليا إلى لبنان، حيث شاركت أوّل من أمس السبت مع «قُمرة» في توقيع إصدارها. فاللبنانية هبة دهيني بحثت عن دارٍ واعدة لتشاركها أولى خطواتها في عالم الكتابة والنشر. تدور أحداث الرواية في مدينة ميلانو خلال مرحلة كورونا، وتروي جو التخبّطات الأسرية التي تكشف بطريقة سردية وحكائية عن مشاكل العائلات والدخول في سيكولوجية العلاقات وكيفية تعاطي الآباء مع بناتهم.
بعد «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب»، تتهيّأ ناصر وفريق عملها للتحضير لمشروعٍ جديد يساعد الكُتّاب الجدد والراغبين في النشر للمرة الأولى من خلال خدمة استشارات وتقييم مع مدربين في الكتابة الإبداعية واللغة، بالإضافة إلى مزيد من الإصدارات والمشاريع، التي تأمل ناصر أن تساعدها الظروف في إنجازها، للتوسع أكثر. فهي ترفض أي دعمٍ حزبي أو سياسي لتحافظ على استقلالية وهوية المؤسسة، كي لا تخضع لأحكام وسلطة رأس المال والجهات على اختلافها. فهدف المؤسسة كما تعبر ناصر أن «تتيح المعرفةَ للشباب بأسلوبٍ مرن يحاكي التطور السريع في عصرنا».