«كيف ما كنت بحبّك». قد يوضع هذا الجزء من أغنية فيروز الشهيرة «بحبّك يا لبنان» في إطار الكليشيهات عن حبّ الأوطان، غير أنّ زافين قيومجيان أرادها عنواناً لكتابه المصوّر الصادر حديثاً عن دار «هاشيت أنطوان» لما لها من ارتباط وثيق بفحواه. في الكتاب الذي يحمل بالإنكليزية اسم Beirut, Guilty Pleasures، يوثّق الإعلامي زافين قيومجيان والمصوّر علي شحادي «نهضة وسقوط معالم بيروتية عريقة عدّة قبل، خلال، وبعد الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينيات، وحتى ثورة 17 تشرين الأوّل 2019 وامتداداً إلى ما بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020 وحقبة فيروس كورونا».



يتتبّع قيومجيان وشحادي خريطة العاصمة اللبنانية بطريقة دائرية، تبدأ من أهراءات مرفأ بيروت وتمرّ بمبنى «لوريان» وفندقَيْ «سان جورج» و«هوليداي إن» بالإضافة إلى «برج المرّ» والـ «تياترو» ونصب ساحة الشهداء وقبضة «الثورة» و«البيضة» وغرافيتي «التواصل» و«بيت بيروت» وانتهاءً بـ «المتحف الوطني». منطقة التماس هذه شهدت أيّام بيروت «الذهبية» في الزمن الجميل وخرّبتها الحرب. شرّحها الكتاب إلى صور غنيّة ونادرة تعود إلى بدايات القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين وما بينهما. يكتسب هذا العمل قيمة إضافية تتمثّل في تفاصيل كواليس هذه الأبنية والمعلومات «غير المتوقّعة» عن كلّ منها.
صحيح أنّ زافين يأخذ القارئ هنا في جولة على بيروت «المكسورة»، لكنّه يؤكّد أنّ الهدف منه ليس «البكاء أو الترحّم أو تسجيل المواقف السياسية، وإنّما الاتعاظ من النصب الحيّة الباقية من الحرب الأهلية والسنوات السوداء المرتبطة بها».
«بيروت العاصمة جزء من ذاكرتي وطفولتي. هي ليست مجرّد مدينة، بل عاصمة وروح لبنان ومركزه»، يقول لنا صاحب كتاب «لبنان فلبنان» (Lebanon Shot Twice).


ويضيف: «بالنسبة إلى جيلي، هناك بيروتان: الأولى المحطّمة، والثاني المتمثّلة في وسط بيروت حيث نُفّذ مشروع سوليدير... في ثقافتنا هناك دائماً قبل وبعد... ذاكرتي عالقة في هذه المدينة بين هاتين الفترتين، لكنّني اكتشفت مدينة جديدة. إنّها رقعة من بيروت قائمة على ناطحات السحاب. مدينة جديدة للجيل الجديد والصناعات والتكنولوجيا الجديدة، تحاول تقليد دبي... هذه البقعة تشكّل هويّة المدينة الجديدة!». يؤكّد مقدّم برنامج «سيرة وانفتحت» أنّه ولدت لديه رغبة في استكشاف هذه المدينة الجديدة، خصوصاً أنّ هذا التحوّل يجري اليوم في «مدينة مكسورة وفي ظلال جدران تشكّل معالم حقيقية للحرب».
هكذا، اختار زافين التركيز على 12 مبنى «عالقة في الزمان والمكان، عبارة عن نتوءات في الذاكرة كأنّها جدران تعيق تطوّر المدينة، ولكنّها تتطوّر في الوقت نفسه، بالنسبة إلى السيّاح انطلاقاً من التوجّه نحو بورنوغرافيا الخراب». وفعل قيومجيان ذلك مدفوعاً بإيمان بأنّ «تاريخ المدن الحيّة في ندوبها».
الهوية بنظر صاحب «أسعد الله مساءكم» ليست ثابتة بل «متغيّرة لأن الناس والحياة يصنعون هوية المدن».
في هذا الإطار، يشدّد على أنّ «ما ألاحظه وأرغب في قوله من خلال هذا الكتاب أنّ هذه البيروتات ليست متعارضة بل متكاملة. وما يميّزني عن غيري أنّني أحبّها كلّها بكل ما فيها من تناقضات... ليست للجدران آذان لكن لها ذاكرة، وهذا كلّه جزء من الذاكرة».
وبما أنّ لبنان خسر رهان أن يكون «رسالة» (كما وصفها البابا يوحنّا بولس الثاني)، فلمَ لا تكون بيروت «درساً»؟ درس في «ما تفعل لإنتاج بلد أو حلم فاشل... كتالوغ خيبة البلدان مثلاً».
الإعلامي الذي يحضّر لعودته إلى الشاشة الصغيرة قريباً، لن يوقف إنجاز هذا النوع من الكتب ««لأنّها هوايتي، ولديّ مشروع لتحويل «كيف ما كتب بحبّك» إلى عمل تلفزيوني أُعلن عن تفاصيله لاحقاً». ويختم بالقول: «أسوأ الكتب هي تلك التي تنتهي بسؤال. هنا ألف سؤال وسؤال... ومدينة كبيرة تطارد أشباحها الصغيرة مع كلّ مغيب شمس وإشراقة صباح... مدينة لا تنام، لا تموت، لا تنسى».