بالنظر إلى التاريخ، تُعتبر الموسيقى ضرورة في حياة المجتمع. هذا في الأيام العادية. أمّا في الأزمات، فتصبح مسألة حيوية. أكثر الأمثلة وضوحاً يعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية، وإصرار الأعداء، على طرفَي الجبهة ونقيضَي العقيدة، على تنشيط الحياة الموسيقية، ونقصد الاتحاد السوفياتي الشيوعي وألمانيا النازية. تحت النار كانت تُقام الأمسيات وتُخلَق الأعمال الجديدة وتُنجَز التسجيلات، حتى إنّ بعضها تُسمع فيها أصوات انفجارات! كانت تُعزَف للطيّارين موسيقى حيّة (كلاسيكية لا موسيقى عسكرية بالمناسبة)، في روسيا قبل الانطلاق في مهمّة قتالية، كما في اليابان قبل الانطلاق في مهمّة كاميكازية أخيرة. في البيوت، كانت الراديوات تبّث المقطوعات الموسيقية في عزفٍ حيّ من داخل الاستوديوات. وفي الغرف والصالونات، الروسية كما الألمانية، كانت العائلات والأصدقاء يمارسون العزف الحيّ، كلّ على آلته. كل هذه الحالة يتم التأسيس لها في معاهد الموسيقى، معلّمةً الأجيال ومموّنةً الأوركسترات بالبارعين من هذه الأجيال.في لبنان، حظي الكونسرفتوار بدعم كبير من الدولة بعد الحرب الأهلية. لكنّه تعرّض لسوء إدارة أدّت إلى انفراط المجموعات الموسيقية التابعة له مع بداية أزماتنا، بسبب عدم نجاحه في التقليل من عدد الأجانب الذين اضطُررنا إلى الاستعانة بهم عند التأسيس. وضع الكونسرفتوار اليوم مزرٍ، واستعادة حيويّته لا يبدو أنّها قريبة، رغم المحاولات التي تقوم بها رئيسته الجديدة هبة القوّاس (الصورة)، التي تنظّم أمسية مساء الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) في «مستشفى بعبدا الحكومي» دعماً للمستشفى والكونسرفتوار، القابع مجازياً في العناية الفائقة.
في هذه الحفلة التي تحمل عنوان Music Heals (الموسيقى تشفي)، وتأتي برعاية وزارتَي الثقافة والصحّة، سنسمع «الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية» بقيادة لبنان بعلبكي، و«الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق عربية» بقيادة أندريه الحاج، بالاشتراك مع يوسف الخال وكارين راميا وجوزيف عيسى وأنطوان الصافي. لم يُعلَن عن برنامج الأمسية، لكن ثمّة تحية لأعمال الأخوين صبّاغ (موسيقى أعمالهما المسرحية الغنائية)، في حين يعود ريع الحدث لـ «مستشفى بعبدا الحكومي» لتغطية استشفاء العاملين في الكونسرفتوار.

* حفلة «الموسيقى تشفي»: الجمعة 4 تشرين الثاني 2022 ــ الساعة الثامنة والنصف مساءً ــ «مستشفى بعبدا الحكومي». للحجز: www.ticketingboxoffice.com