أمس، انطفأ شوقي متى (1948 ـــ 2022) بعد مكوثه أياماً في العناية المركّزة، مخلّفاً وراءه مسيرة زخمة في السينما والدراما، خصوصاً خلال الحرب الأهلية. يمثل الناس عادةً نتاجاً للزمن الذي يحتويهم، لكن ثمة بينهم من يمتلكون قابلية المشاركة في صناعته. شوقي متى أحد هؤلاء الذين أسهموا في صياغة مفردات مرحلة قُيض لهم العيش في أرجائها: الرجل الأنيق، الهادئ، القادم لتوّه من عصر النبلاء، بكل ما يتيحه المشهد من عناصر إيحاء ثرية. أمكنه أن يدمغ حضوره بطابعه الخاص، ولم يكن عليه أن يندمج مع محيطه.أمكن للرجل أن يشكل نموذجاً متفرداً من دون أن يدّعي ذلك. أدرك التمايز من دون سعي لذلك. لعل أكثر ما منحه فرصة الاختلاف أنه لم يحاوله، هو اكتفى بأن يكون نفسه، فلم يصبح غيره، ولا أدركه سواه.
ممثل جريء، بل مقدام أيضاً. تبدّى ذلك منذ اقتحامه عالم السينما في أجواء منافسة. لم يسع إلى ركوب موجة سائدة. آثر أن يبادر نحو الإنجاز بما ملكت يداه، وملامحه الموحية، وإطلالته المؤثرة. أمكنه أن يصوغ ملامح إبداعه المتميز من دون ادّعاء ولا تكلف. وصل إلى ما هو أبعد مما يتيحه الظرف، أو تقرره المصادفة. لم يكن قنوعاً تكفيه الظلال، لكنه لم يحاول في المقابل أن يخترع أبعاداً زائفة لمكانته الفنية. هكذا بدا مستعصياً على التقييم والتأطير.
مثّل الأفلام ثم أنتجها، كان سعيه، منذ البداية، إلى كسر المألوف عاملاً مهيمناً على حراكه الفني من فيلم «قطط شارع الحمرا» عام 1971 إلى «غيتار الحب» (1973) و«شروال وميني جوب» (1973) فـ«الأستاذ أيوب» (1975)، و«الكل يحب» (1976) ثم «الشياطين» (1977)، و«قطة على نار» (1977) و«الدنيا نغم» (1978)، بعده «حسناء وعمالقة» (1980)، و«رفعت الجلسة» (1981)، و«القرار الصعب» في العام نفسه، تلاه «لعبة النساء» (1982)، و«الصفقة» (1982» و«عودة البطل» (1983) ثم «ناجي العلي» (1992) وصولاً إلى «إيفانوفا» عام 2000.
في عالم الدراما التلفزيونية، كانت له خياراته المثيرة للدهشة أيضاً: «عصر الحريم» (2008)، و«هروب» (2011) انتهاءً بـ «عشرة عبيد صغار» عام 2014 وقد أدى فيه دور قاض يمتلك هيبة القضاء من دون سطوته الفاعلة.
قدّم شوقي أدواراً تمثيلية لا تخلو من صعوبة، كما مزج في أدواره بين العنف والرومانسية، بين الشر والطيبة، لكنه حافظ في ظهوره المرئي على استقلالية الشخصية المؤداة، بمعنى أنه لم يكن صديق البطل، أي مجرد رديف يساعد الممثل الرئيسي على إظهار تفوقه، وهو دور تكرر وجوده في السينما العربية. كان يشكل دوماً إضافة نوعية إلى الأعمال التي يشارك فيها. وكان يمتلك بصمته الخاصة التي تجعله شريكاً بمواصفات كاملة، وقيمة مضافة في المنجز المرئي، وليس مجرد ملحق في قائمة الممثلين.
عشق شوقي متى التمثيل منذ نعومة أظفاره، لكنّ النجومية لم تستهوه يوماً، تعامل مع المهنة الصعبة بذهنية الناسك الذي تجتذبه التجربة لذاتها وليس لنتائجها المتوخاة. رفض تبعاً لهذه الرؤية الكثير من الأدوار التي كان يسعها أن تزيد من أرقامه من دون أن تضيف إلى رصيده... في المقابل قبل أدواراً أخرى جريئة، حيث لعب دور الرجل المثلي في فيلم «قطة على نار» (إخراج سمير سيف ـــ 1977)، ما منحه جائزة «مهرجان القاهرة».