على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

ألقى بوتين خطابيْن لا خطاباً واحداً أول من أمس. الإعلام الغربي غطّى الخطاب بما بات معروفاً عنه من سوء مهنيّة والتزام بصرامة بأجندة البروباغندا التابعة لحلف شمال الأطلسي. قسم من الخطاب كان موجّهاً إلى شعوب العالم قاطبةً (خارج المعسكر الغربي) وقسم آخر موجّه إلى الجمهور القومي الروسي الرجعي. القسم الموجّه إلى شعوب العالم كان ذكيّاً، إذ إنه قدّم جردة بآثام وخطايا وجرائم الغرب على مرّ تاريخه وربط بين ازدهاره وبين استغلال شعوب العالم النامي. هذا الخطاب مستعار من الثقافة السياسيّة للاتحاد السوفياتي، الذي لا يفوّت بوتين فرصة إلا ويُبدي امتعاضه منه، أو من آثار سقوطه على روسيا الكبرى. والصحافة الغربيّة (مثل «نيويورك تايمز») لا تنفكّ تتحدّث عن تضامن عالمي مع أوكرانيا، متناسيةً أن الصين والهند وباكستان وجنوب أفريقيا ومعظم دول العالم النامي لم ترتبط بأجندة الناتو في الحرب. حتى ولو كانت «الشرق الأوسط» تتوجّه إلى جمهور الناتو (كأنهم يقرؤون العربيّة)، فإن طغاة الخليج يحافظون على علاقة جيّدة مع موسكو بالرغم من ضغوط أميركيّة في الحثّ على مناصرة أوكرانيا (شكر الرئيس الأوكراني محمد بن سلمان على جهوده «الخيّرة»). حسم بوتين خياره في الخطاب من حيث التذكير بالدور الخبيث والاستغلالي والمتآمر الذي لعبته أميركا في داخل روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. لم يبقَ من خط للرجعة في الصراع وهذا ما كان بوتين يقصده. لكن هل يعمِّر في الحكم وهناك إجماع أميركي على خوض الحرب ضد روسيا إلى النهاية (أنفقت أميركا على أوكرانيا بنسبة توازي الإنفاق العسكري الروسي السنوي)؟ أما في القسم الموجّه إلى الجمهور الروسي، فإن بوتين كان رجعيّاً محافظاً شوفينيّاً يضرب على أوتار النزعات القوميّة العنصريّة في روسيا. هو شنّ حملة على الخطاب الغربي الليبرالي عن النسويّة وعن الحقوق الجندريّة ودافع — على طريقة المحافظين الأميركيّين، أي نحو نصف البلاد هنا ــــ عن القيم التقليديّة وحق الرجل كرجل. حذّر بوتين من مؤامرة لتعليم المثليّة (وهذا خطاب جمهوري هنا). وضرب على وتر الكنيسة والدين. الازدواجيّة في الخطاب تقلّل من مصداقيّة القسم الأول منه.

0 تعليق

التعليقات