لم تعتد الزوارق التابعة لسلاح البحرية الإسرائيلية على مشاهدة مراكب مدنية لبنانية تقترب من منطقة رأس الناقورة وتكشف كامل الجرف الصخري الذي يحتله العدوّ مع نفق سكة الحديد داخل النقطة الحدودية المتنازع عليها مع لبنان. جرف يفصل بين لبنان وفلسطين المحتلة ويشكّل نقطة حيوية واستراتيجية للصهاينة لأنّها تؤمن الحماية لكامل الساحل الفلسطيني الشمالي المحتل من البرّ، نظراً إلى ما تحويه من مواقع ومنشآت عسكرية ومدنية ذات طابع سياحي يخشى العدو أن تكون مكشوفة للجانب اللبناني وتكون على تماس مباشر معه.ما يخشاه العدوّ من حصول لبنان على حقه في الحدود البرية على اليابسة، ينسحب أيضاً على البحر الذي إذا تمكّن لبنان من استعادة حدوده فيه، فيكون ساحل فلسطين الشمالي تحت مرمى العين اللبنانية.
الاختبار الصعب للعدو الإسرائيلي كان في تعاطيه مع مسيرة المراكب التي وصلت الأحد الماضي إلى خط الطفافات البحرية التي وضعها الإسرائيلي في المياه اللبنانية. اقتربت المراكب المدنية ولامست الجزء الشمالي للطفاف الأوّل حيث تقف مقابله على بعد أقل من متر واحد من جهة فلسطين المحتلة، خمسة زوارق حربية فيها جنود إسرائيليون مدجّجون بالأسلحة. لكن رغم اتخاذهم أوضاعاً قتالية، لم يحرك هؤلاء ساكناً، إذ أذهلهم مشهد عشرات المراكب التي لم يتوقعوا أن تجوب محيط خط الطفافات البحرية رافعة الأعلام اللبنانية ولافتات كُتب عليها باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية والعبرية، تطالب باستعادة لبنان لحدوده المائية المحتلة.
 المراكب اللبنانية توقّفت لمدة نصف ساعة تقريباً، ورمت مراسيها في البحر، في مشهد برز فيه التحدي وأوصل رسالة إلى العدو الاسرائيلي والمجتمع الدولي مفادها أنّ اللبنانيين لن يتخلوا عن نقطة ماء من بحرهم.
لم يكتف المشاركون بحمل العلم اللبناني على مُتون المراكب، يحدقون في ساحل فلسطين المحتلة من نقطة رأس الناقورة مروراً بشاطئ نهاريا وطبريا وصولاً إلى حيفا. بل قفز بعضهم في البحر وسبحوا في آخر نقطة مسموح لهم الوصول إليها قرب الطفافات في محاذاة زورق إسرائيلي.
وحدها الناشطة في الحملة البحرية، هبة قبيسي، سجّلت خرقاً والتفّت على الطفاف من جهة فلسطين المحتلة ولمست مياه بحر فلسطين، لكنّ الوقت لم يسعفها لترفع العلم اللبناني، لأنّ أحد المراكب اللبنانية الصغيرة المشاركة اقترب منها وأخرجها من المياه قبل أن يقوم جنود الاحتلال المتمركزون على الزورق الحربي بأيّ اعتداء عليها.
في حديث معنا، أشارت قبيسي إلى أنّ النشاط حقّق أهدافه وجمع أطياف المجتمع اللبناني المختلفة حول «موقف موحّد هو الحفاظ على ثرواتنا النفطية والغازية في بحرنا واستعادة حدودنا المائية»، مؤكّدةً أنّ وصول المدنيين إلى هذه النقطة يجب أن يكون «من دون عوائق لأنّ ما شاهدناه في الجانب المحتل من وجود مدنيين مسموح لهم الوصول إلى آخر نقطة في «الحدود البرية والبحرية» من حقنا أيضاً كلبنانيين... من الطبيعي أن نصل إلى حدودنا وعلى العدو أن يعتاد على هذا المشهد».