على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

علاقة المغتربين بلبنان تختلف بين شخص وآخر. لكن من تجربتي في الغرب، أستطيع أن أصنّف. هناك فئة من اللبنانيّين التي تمتهن الاندماج في المجتمع الغربي وتتبارى في سرعة وعمق الاندماج. هذه الفئة تحرص (مثل تلاميذ لبنان حاليّاً) على إتقان اللكنة لا اللغة الأجنبيّة. هؤلاء هم اللبنانيّون الذين يطيّرون العلم الأميركي في عيد الاستقلال ويكون حجم علمهم أكبر من حجم جيرانهم البيض. هؤلاء عادة خرّيجو المدارس النخبويّة الأميركيّة (في حالة المغتربين في أميركا وبريطانيا) وخرّيجو المدارس النخبويّة الفرنسيّة (في حالة مغتربي فرنسا) في بيروت. بعض زملاء مدرستي النخبويّة لا يرتبطون بلبنان إلا في الزيارة ولا يتابعون المجريات إلا من باب تأييد فريق 14 آذار و«بدنا نعيش» (هون وهونيك). وهناك أيضاً بعض اللبنانيّين الذين يعيشون الهمّ اللبناني بصورة يوميّة (أو ساعة بساعة بعد انهيار الاقتصاد). هؤلاء أقلّ فرحاً وابتهاجاً من جماعة الاندماج. الفضائيّات وقراءة الصحف على الإنترنت عرقلت لهؤلاء عمليّة اندماجهم. هؤلاء يتابعون السياسة اللبنانية والعربيّة أكثر مما يتابعون سياسة البلد الذي يعيشون فيه (أنا مضطرّ في متابعة السياسة الأميركيّة بحكم مهنتي التدريسيّة). حليم بركات أخبرني أنّ الطلاب العرب في أميركا في الخمسينيات وأوائل الستينيّات لم يكونوا قادرين على متابعة الأخبار في العالم العربي وكان ذلك أقصى المعاناة في زمن الهمّ القومي: أخبرني أنّ أحدهم كان يحصل على جريدة أو قصاصة جريدة، وكانوا يوزّعونها لقراءتها بالتداول عبر الأشهر بين مختلف الولايات. «الجزيرة» (في سنوات عزّها البائد) رسّخت الانتماء العربي للكثير من المهاجرين. اليوم، فضائيّات الأقطار (المملوكة من أصحاب المليارات أو مصالح خليجيّة) تعزّز ثقافة الانقسام والشرزمة. عندما كان وديع الصافي يجول في المدن الأميركيّة كانوا يطلبون منه بإلحاح أغنية «يا مهاجرين ارجعوا، غالي الوطن غالي». ولم يكن موضوع الرجعة مطروحاً، لكنّ الدعوة كانت تدغدغ مشاعرهم. من ينفي أنّ قلب المهاجر اللبناني رقيق وحسّاس وينتفض لسماع صوت خبطة القدم في الدبكة (خصوصاً دبكة الحائط التي زادت من الاهتمام العالمي بلبنان).

0 تعليق

التعليقات