على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

المُصحِّح في الجريدة هو غير المُحرّر. تفتقر الصحافة العربيّة المعاصرة إلى الاثنيْن معاً. لماذا كان المصحّحون في الصحف العربيّة مصريّين متقاعدين؟ وكانت الصحافة المصريّة في ما مضى تجنّد أدباء معروفين لتصحيح الصحيفة. عندما كنتُ في الجامعة، عملتُ في مجلّة «عالم النفط» في شارع السادات. وكان زميلي في المكتب هو المؤرّخ العالم، زهدي جار الله. كنتُ أُنهي نصّ الترجمة المطلوب منّي ثم أسلّمه لزهدي كي يصحّحه. وكان زهدي متقدّماً في العمر ومتبرّماً من الحياة ومفرطاً (وهو في سن الشيخوخة) في التدخين الذي كان ينفث دخانه نحوي، ليس عن قصد، على علمي. وكنتُ في ذلك السنّ معتداً (مغروراً) بلغتي العربيّة. لكن أوّل مرّة سلّمته نصّي، أرجعه إليّ مليئاً بتصحيحات بالخط الأحمر ـــ كان يصحّح باللون الأحمر إمعاناً في الأذى (أنا كنت أعمد في التصحيح ـــ قبل عصر التصحيح الرقمي ـــ إلى استعمال الحبر الأخضر أو الأزرق لأنّ اللون الأحمر حسب الدراسات يوتّر أعصاب الطلاب). كانت تصحيحات زهدي بالأحمر تزعجني كثيراً. ولزهدي جار الله كتاب ضروري اسمه «الكتابة الصحيحة» وكان مرجعاً معتمداً في زمانه (وله كتاب مرجعي عن تاريخ المعتزلة). لكن كنتُ أناقش زهدي (عبثاً) أنّ بعض تصحيحاته تريد إرجاع الكتابة العربيّة الحديثة إلى زمن غابر وأنّ التصحيح شيء وتقويم اللغة بغية صبّها في قالب جامد شيء آخر. لم يكن يحتمل النقاش. سماح إدريس كان مدقّقاً وحريصاً في التحرير والتصحيح في مجلّة «الآداب». لكن في الصحافة الغربية، هناك محرّر سياسي يريد أن يزيل أي ما يحيد عن سياسات ثابتة للجريدة، خصوصاً في مجال السياسة الخارجيّة، وخصوصاً في مجال السياسة نحو إسرائيل. وعليه: أيّ إشارة لطرد الفلسطينيّين في «نيويورك تايمز» كانت لسنوات طويلة أنّهم خرجوا (طوعاً) في حرب 1948. وبعد صدور وثائق تاريخية تؤكد عمليّات طرد مقصودة أصبحت الإشارة هكذا: …الذين طُردوا أو خرجوا في عام 1948. وإسرائيل لم تحتلّ أراضيَ في عام 1967 بل هي «سيطرت»، أي أنّ الأراضي سقطت في أيديها من السماء.

0 تعليق

التعليقات