تظنّ أن فلسطين تحرّرت. تظنّ أنّ الفقر قد زال وانتشر العدل بين الناس. تظنّ أنّ علي إبراهيم بالفعل حقّق في ملفّات الفساد وأنّ أحكاماً مبرمة قد صدرت، وأنّ المحكمة العسكريّة باتت تجرؤ على مخالفة المشيئة الأميركية. تظنّ أنّ الكهرباء عادت وشعشعت وأنّ المياه تتدفّق في المنازل وأن رياض سلامة يتضوّر خلف القضبان. هذا تفسيري الوحيد عندما أقرأ حملة التخويف من المثليّة التي تعمّ المشرق والخليج العربي!دول الخليج اعترضت على مشهد في فيلم رسوم متحرّكة لـ «ديزني» بسبب شخصيّتَيْن مثليّتَيْن. أعلام قوس القزح باتت تخيف وتُمنَع. ومؤسّسة شومان في عمّان (وهي كانت رصينة) أصدرت بياناً رسميّاً نفت فيه (كذباً) أنّ كتاباً لديها يحتوي على تصوير لأهل مثليّين. وفي لبنان، وزير الداخليّة (وهو ليس إلا تابعاً لوزارة الداخليّة السعوديّة) أصدرَ فرماناً صيغَ على طريقة الحكم التركي وفيه منع باتّ لأي «ترويج للشذوذ الجنسي». المثليّة عند بعض الخائفين هي قضيّة يمكن لأيّ شخص أن يعتنقها لو وُجد صاحب حجّة قويّة فيها. والوزير المولوي يبدو أنه كان ينقل تعليمات أتته من المُسيِّر الخليجي الذي يخاف من المثليّة ويتحالف مع إسرائيل. ودار الإفتاء دخلت على الخط بقوّة وهي التي حثّت الوزير على إصدار البيان، وهي أيضاً مُسيَّرة من الخليج. حتى شيخ العقل، الذي هو أعقل من باقي رؤساء السلطات الدينيّة عادةً، أدلى بدلوه. للمرّة الأولى زالت المتاريس بين الأحزاب والتيارات السياسيّة وأجمع ممثّلو الشعب اللبناني على إدانة المثليّة المخيفة. ونوّاب التغيير والتطوير صمتوا، فيما آثرت بولا يعقوبيان، داعية الحريّات، إلى كتابة تغريدة خجولة بـ…اللغة الإنكليزيّة كي تصل إلى الأجانب. الملحوظ في لبنان أن زعران «جنود الربّ» (التابعين لأنطون صحناوي، الذي يلخّص في شخصه كل جوانب الفساد اللبناني) هم الذين دشّنوا موسم الهجوم على المثليّة. جمعيّة المصارف ورجال الدين حلف متراصّ لحماية الفساد وصدّ الخطر المثلي. المثليّة هي التي اجتاحت لبنان عبر العقود، لا الصهيونيّة.