على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

مات مظفّر النوّاب. لم تدرِ صحافة الخليج ما تفعل بخبر وفاته فذكرته من دون أن تشرح أهميّته وسبب انشغال الناس بخبر وفاته. مظفّر النوّاب كان حالة شعريّة استثنائيّة. لم يكن ديوان «وتريّات ليليّة» مطبوعاً بعد. كنا نتداول شعره من دون دور نشر. كان معظمه على كاسيتات. وكان إلقاؤه الشعري مؤثراً، خصوصاً عندما كان يلقيه مخموراً ويجهش بالبكاء أثناء الإلقاء. كنا نعتبره شاعر الثورة، خصوصاً أنّ أسلوبه كان فريداً وغير مبتذل. كانت قصيدة «القدس عروس عروبتك» هي الأشهر وكان لها فعل الهتاف في أنفسنا. طبعاً، بعد مرور السنوات وتفذلكنا في المعرفة النسويّة، لم نعد نقدّر تلك القصيدة. ما هذا التشبيه للأرض والوطن بالعروس، خصوصاً حديث فضّ البكارة؟ الصورة إشكاليّة لأكثر من سبب. كنا نتداول كيف أنّه مرّة ألقى قصيدة في دمشق أمام جمهور تصدّره عبد الحليم خدام وأنه سيقَ بعدما قال: «… لا أستثني منكم أحداً». مرّت الأعوام وتعرّض النوّاب لأكثر من نفي وتنقّل بين البلدان. وقبل أكثر من عشر سنوات، كنت في زيارة لمدينة هيوستون في تكساس بغرض إلقاء محاضرة. فاجأني الصديق ياسر شعيب باقتراح زيارة مظفّر النوّاب. كان يومها في زيارة استشفاء بضيافة عزيز شيباني. زرناه وتحدّثنا في مواضيع شتّى. لكنه فاجأني على الفور. كانت جذوته الثوريّة قد خبت تماماً. وجدته مكسوراً كئيباً وحزيناً. تحدّثنا عن الغزو الأميركي وأردت تحريضه كي أسمع منه استفظاعاً للغزو لكنه ردّ بالحديث عن فظاعة صدّام. قلتُ ما معناه بأن صدّام لم يعد في الحكم، وأصبح هناك حكمٌ احتلالي أميركي، أو كلام من هذا القبيل. عندها قال إنه طبعاً يعارض الغزو وأخبرنا أنه رفض عرضاً من جلال طالباني ومن فخري كريم لتكريمه لأنه لم يرد أن يزر في ظلّ الاحتلال. شعرتُ بحرقة لأنه كان يعني لنا الكثير في سنوات الصبا. تساءلتُ بيني وبين نفسي: هل العالم العربي مكسور إلى درجة أنّ مظفّر النوّاب، مُلهمنا في سنوات الثورة (لا أتحدّث هنا عن «ثورة» التهريج في لبنان) تحوّلَ؟

0 تعليق

التعليقات