على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

لا يُجمِع اللبنانيّون على أمر، ربما باستثناء المنقوشة (وفيروز طبعاً، وتقدير الموهبة الإعلاميّة للقدير عوني الكعكي، نقيب الصحافة اللبنانيّة الراقية والرصينة). والمنقوشة، لو فكّرنا في الأمر، هي طبق بسيط جداً. كانت لديّ نظريّة تقول إن سرّ المنقوشة هي في التهامنا لرغيف خارج لتوّه من لهيب الفرن، وإن المنقوشة شهيّة بسبب أكلنا لها في الوقت المناسب. ونظريّتي اعتمدت على أنّ المنقوشة بسيطة التكوين: زعتر وسمسم وزيت زيتون، فقط. لكن نبذتُ هذه النظريّة. سرّ المنقوشة ليس في أنها طازجة. اقتنيتُ مرّة عدداً هائلاً من المناقيش في رحلة إلى نيويورك وحملتها ووضعتها في الثلاجة. ووجدتني أتلذّذُ بها من دون أن تكون طازجة، ومن دون حتى أن أسخّنها في الميكروويف. السرّ في مكان آخر، في أنّ تكوين المنقوشة يتوافق مع مذاقنا. اختبرت عبر السنوات سرّ المنقوشة عبر تجربتها على أميركيّين، والنتيجة أنهم لا يقدّرونها باستثناء قلّة تحبّ أي طعام (صعب على الأميركيّين استحسان الحلويات العربيّة لأننا نفرط في تحليتها، فنضيف سكّراً على عسل على قطر السكّر). والمنقوشة تغيّرت على أيّامي: كانت في طفولتي أرخص ثمناً بكثير. في المدرسة الابتدائيّة، كنتُ أبتاعها بخمسة عشر قرشاً فقط وكانت سميكة وعجينتها ألذّ وأطرى مما هي عليه. أقرب إعداد لمنقوشة تشابه منقوشة «الزمن الجميل—فقط بمعيار المنقوشة» هي في مطعم الطاهية ريم في سان فرنسيسكو (ريم أسيل، صاحبة مطعم «ريم كاليفورنيا» أصبحت نجمة في عالم الطهو هنا، وكتابها «عربيّة» صدر للتوّ بالإنكليزيّة). زرتُ المطعم مع الصديق رياض بعلبكي وأجمعنا على أنّ منقوشتها تشبه تماماً منقوشة «زمن المنقوشة الجميل». أخبرتني أنّها قبل افتتاح المطعم، جالت في المنطقة واختبرت وصفات قبل أن تستقرّ على واحدة. المنقوشة لمحبّيها الأصيلين تُؤكل من دون ضوضاء، الإكسترا والبطاطا والجبنة والخُضَر والشنكليش. يحتاج لبنان إلى يوم في السنة لتقدير المنقوشة، بدلاً من أيام لتكريم فاسدين وسارقين ومجرمين. ليس هناك من شارع واحد للمنقوشة. ماذا لو غيّرنا اسم المطار ليصبح مطار المنقوشة الدولي (أنا أفضّل مطار سليم الحصّ الدولي).

0 تعليق

التعليقات