على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

الجمهوريّة العربيّة المتحدة. وُلِدت قبل سنتيْن من ولادتي وماتت بعد سنة من ولادتي. هذه تجربة أتحسّر دوماً بأنّني لم أعشها. سمعتُ من أقارب وأنا صغير كيف ذهب مئات الآلاف من لبنان، خصوصاً من بيروت قبل غزوها من جحافل الحريريّة السعوديّة، إلى دمشق لملاقاة الزعيم العربي، جمال عبد الناصر. وعبد الناصر مظلوم كثيراً لأنّ الغرب ودول الخليج أنفقوا الملايين في تقويض سمعته. جعلوا منه مغامراً متعطّشاً لزعامة في مشاريع وحدويّة مختلفة. الحقيقة أنّ عبد الناصر لم يتحمّس للوحدة، لا عام 1958 ولا في المفاوضات التي جرت عام 1963. هناك من يسعى إلى الزعامة ويُنفق في سعيها، وهناك من تأتي الزعامة الجماهيريّة إليه من دون أن يسعى إليها. وحده عبد الناصر كان من الصّنف الثاني بين زعماء العرب. عبد الناصر قبل بالوحدة لأنه خشي، وعن حقّ، من تآمر غربي ورجعي ضدّها. أرادَ أن يحصّن سوريا مع علمه أنّ الغرب والخليج سيسعيان جاهديْن إلى ضرب الوحدة. لا تأخذوا بكلامي. راجعوا صور الجماهير السوريّة واللبنانيّة التي لاقت عبد الناصر عام 1958 في دمشق. شاهدوا وجوه الناس. كانت الهبّة الوحدويّة في أوجها. أتخيّل أحياناً شعور الناس آنذاك وهم يحلمون بالوحدة الشاملة وبتحرير فلسطين. كان ذلك يوم كانت العائلة السعوديّة الحاكمة تخشى انشقاقات في صفّها لصالح عبد الناصر. أتخيّل مشاعر الناس وهم يرون محاولة تُعيد أمجاد العرب وتحقّق أحلامهم. الوحدة دامت ثلاث سنوات وهذه أعجوبة بحدّ ذاتها. لم يتوقّف الغرب ودول الخليج عن التآمر ضدّها منذ ولادتها. ما فوّتوا فرصة ولا تجنّبوا وسيلة إجراميّة إلا واستعملوها ضد هذه التجربة الفذّة. البروباغندا المضادّة لها لم تتوقّف. خذوا قصّة تذويب فرج الله الحلو. هو لم يُذوَّب بالأسيد في تعذيب. هو قُتل خطأً وخاف المرتكبون من جريمتهم وحاولوا إخفاء معالمها، لأنها لم تكن مألوفة في جمهورية الوحدة. قارنوا مع فريق المنشار في القنصليّة السعوديّة. الجمهوريّة العربيّة المتحدة هي الزمن الجميل، لا فنادق وملاهي لبنان التي كانت حكراً على أثرياء الخليج ولبنان.

0 تعليق

التعليقات