مدريد ــ «الأخبار» عثر أخيراً على نحو 21 قصيدة غرامية وإيروتيكية (تضم أكثر من ألف بيت شعر)، كانت موضوعة في صناديق، خلال عملية مراجعة أرشيف بابلو نيرودا (1904 ــ 1973) في «مؤسسة بابلو نيرودا» في سنتياغو دي تشيلي، وفق ما كشفت صحيفة «الباييس» الإسبانية.
المجموعة الغنية والنادرة تضمّ بعض النصوص النثرية أيضاً، إلى جانب خطابات ومحاضرات كُتبت عام 1956 وفي أواخر الستينيات. كلها تشكّل اللقية الأدبية الكبرى التي يُعثر عليها لحامل «جائزة نوبل» التشيلي، التي تظهر حضوراً كبيراً للموضوع الغرامي والإيروتيكي، فيما تحضر الطبيعة أو تشيلي في أشعار أخرى. نصوص قصيرة وطويلة مكتوبة على ورق الاستنساخ الأصفر المتواضع، متراوحة الطول، إذ يصل بعضها إلى سبع أو تسع صفحات. حتى الآن، لم يعرف لماذا لم ينشر الشاعر هذه القصائد المبعثرة على امتداد أكثر من عقد في كتبه في تلك المرحلة. دار «سيس بارال» في برشلونة التي أعلنت الخبر المفاجئ، ستقوم بنشر هذه المخطوطات أواخر العام الحالي في أميركا اللاتينية، ومع بداية عام 2015 في إسبانيا تحت عنوان «قصائد غير منشورة / بابلو نيرودا؟».
لم ينس بابلو نيرودا الحب، حتى بعد تقدمه في السن، وهذا ما يظهره أحد المقاطع الغير منشورة: «يستريح ردفك النقي وقوس السهام المبللة/ يمد في الليل بتلات زهر التي تُشكِّل هيئتك/ تصعد ساقاك الطينيتان الصمتَ وسلالمه الصافية/ درجةً درجة محلقة معي في الحلم/ أشعر عندئذ بأنك تصعدين الشجرة القاتمة المغنية في الظلام/ مظلم هو لليل العالم من دونك يا حبيبتي،/ أكاد لا ألمح المنشأ، أكاد لا أفهم اللغة،/ بمشقة أفك رموز أوراق الأوكالبتو». يسيطر هذا الملاذ الشعري على الأبيات الثمانية (كما على قصائده الأخرى المكتشفة) التي تحمل جموح المخيلة والقدرة التعبيرية المتدفقة وموهبة الشاعر المعهودة. أشعار تضيء على جانب من عالم نيرودا وتتوسع فيه. «إنها ليست قصائد عادية»، يؤكد الشاعر والخبير في دار «سيس بارال» بيري جيمفيرير، الذي ذُهل بعد قراءة النصوص. دفعه هذا الذهول إلى القول بأنّها نصوص تكشف عن موهبة نيرودا المعهودة نفسها، وكذلك شغفه الايروتيكي أو الغرامي في الهجاء أو السخرية أو في تحويل التفصيل اليومي التافه الى قصيدة. هذا يعني ما يشبه نيرودا في «الأغنيات البدائية» ونيرودا «أنشودة الملاح»، ونيرودا «ذكريات إيسلا نيغرا»، بل ونيرودا في ديوان «شاذ». لم يتخل نيرودا يوماً عن الحب وعن متاهاته التي جابها، لكنها ظلت متاهات غير معروفة، مثلما هي هذه القصائد المكتوبة بعد ثلاثة أو أربعة عقود من انتشار شعبيته عام 1924 مع صدور ديوانه «عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة». إنه الحب كمصدر إلهام بعد أزمنة المنفى، وعودة إلى اللقاء في موطنه وإلى معارضته السياسية. إنها السنوات التي تلت انفصاله عن زوجته الثانية وتعرفه إلى ماتيلدي أوروتيا، حب حياته.
الكنز غير المنشور كان مضبوطاً ومحفوظاً في صناديق خاصة، تحوي ملفات كتبت صفحاتها بخط اليد أو بالآلة الكاتبة. وقد تلقت «مؤسسة نيرودا» تلك المخطوطات، كما يتذكر مديرها فيرناندو سايث، عام 1987، أي بعد وفاة ماتيلدي أوروتيا. وخلال تلك الأعوام، تمّ ترتيب المواد وتصنيفها وتصويرها ضوئياً وإلكترونياً. وقبل ثلاث سنوات، جرت مراجعتها بالتفصيل، صفحة صفحة، للتوصل إلى ما هو منشور منها وما لم ينشر.
وقال المسؤول عن مكتبة المؤسسة منذ 2011 داريو أوسيس، إن البداية كانت قراءة المخطوطات المكتوبة بخط نيرودا ذي الحروف الكبيرة والواضحة، أو المطبوعة على الآلة الكاتبة، لكن المصححة بخط يده، وترتيبها ورقة فورقة فورقة إلى أن راحت تتضح معالم الكنز النيرودي الجديد تلقائياً، من دون البحث عنه. وهو ما يثبت، بحسب أوسيس، أن «نيرودا لا يزال شاعراً غير مستنفد، يفسح المجال على الدوام لقراءته قراءة جديدة، مثلما هي حال الكتاب الكلاسيكيين». وقد توزعت عملية التحري والتدقيق الآن بين «مؤسسة نيرودا» و «دار سيس بارَّال» لتحديد العدد الإجمالي للقصائد والنصوص التي كتبها حامل «نوبل» وتستحق أن تنشر. «إنه اكتشاف عظيم ليس لأنه غير منشور قبلاً فحسب، بل أيضاً للنوعية العالية التي تميز عدداً من القصائد» تؤكد مديرة «سيس بارال» إيلينا راميريث، وتضيف أنّ الطبعة ستكون مرفقة بالملاحظات وكل التفسيرات والشروح الضرورية. علماً أنها المجموعة الثالثة من أعماله غير المنشورة التي تكتشف وتصدرها «سيس بارال»، بعد «النهر الخفي» (1980) التي ضمت قصائد وكتابات نثرية من مرحلة شباب الشاعر، ثم «دفاتر تيموكو» (1996)، وهي قصائد المراهقة. يأتي الكتاب الجديد تزامناً مع الذكرى العاشرة بعد المئة لميلاد نيرودا في 12 تموز (يوليو)، ومع الذكرى التسعين لصدور ديوانه «عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة».
«بمشقة أفك رموز أوراق الكينا»، كتب نيرودا في أحد أبيات القصيدة التي رأت النور الآن. وبذهول واستغراب يتساءل جميع من قرؤوا القصائد الواحدة والعشرين عما جرى وجعل هذه الأبيات الألف تظل منسية على حافة الطريق طوال هذا الوقت.