عن عمر مئة عام، انطفأت «نورهان» (1922 ــ 2022) في نهاية شهر شباط (فبراير) الماضي في العاصمة اللبنانية. بالهدوء نفسه الذي اختارت أن تُكمل فيه حياتها قبل عقود حين توارت عن الأنظار عن سابق تصوّر وتصميم، غادرت خيريّة جركس المولودة لأب سوري شركسي وأم شركسية من الأناضول في تركيا. هكذا، خسر العالم العربي إحدى أيقونات الزمن الجميل، من دون أن تحصل على التقدير الذي تستحقه. حظيت الراحلة بشهرة واسعة في الفترة الممتدة بين أربعينيات القرن الماضي وصولاً إلى بداية الستينيات. عُرفت «نورهان» كمطربة وممثلة من بيروت إلى العراق مروراً بسوريا وفلسطين ومصر والكويت. كانت البداية في سنّ باكرة، إذ ردّدت الأغاني التي كانت تسمعها في الراديو في التجمّعات الموسيقية التقليدية للنساء، أو الاستقبالات كما كانت تسمّى، والتي نظّمتها والدتها وصديقاتها.وبعدما تذوّقت الفنانة التي يُعدّ اسمها الفني مزيجاً بين نور الهدى وأسمهان طعم المجد وسطع نجمها تحت الأضواء، فضّلت أن تعيش حياة عادية إلى أبعد الحدود، إلى درجة أنّ بعض أقرب الناس إليها كانوا يجهلون تاريخها الحافل. ومن بين هؤلاء حفيدتها المخرجة اللبنانية مي قاسم (1975) التي أعدّت قبل سنوات وثائقياً خاصاً عنها بعنوان «نورهان، حلم طفلة» (2016 ــ 72 د). يتمحور هذا الشريط حول الشغف والحب، ويكشف عن مجموعة كبيرة من القصص عن طريق مقابلات ومقاطع صوتية وأخرى مصوّرة، فضلاً عن رسوم متحرّكة وأغنيات لا تزال موجودة في أرشيف الإذاعة اللبنانية. من بين هذه الأغنيات نذكر: «بلد الجمال»، «مالك ومالي»، «من أوّل ما لقيته»، و«مين قلّك حب» و«يا مرخّصين دمعكم»...
أرشيف «نورهان» لا يخلو من الأفلام طبعاً، إذ ظهرت في ثلاثة أعمال سينمائية، هي: «شهر العسل» (1945 ــ إخراج أحمد بدرخان/ 112 د ــ بطولة فريد الأطرش ومديحة يسري...)، «أمريكاني من طنطا» (1954 ــ إخراج أحمد كامل مرسي ــ 105 د) و«ليلى في العراق» (1947 ــ إخراج أحمد كامل مرسي ــ 95 د).
حين كانت في الرابعة عشرة من عمرها، تزوّجت من المُدرّس والمترجم اللبناني قاسم قاسم الذي كان يُتقن 11 لغة. شجّعت الزوجة رفيق دربها على الحصول على منحة لدراسة الأدب الإنكليزي في القاهرة.
وفي الستينيات، وضعت «نورهان» حدّاً لحياتها المهنية وافتتحت صالوناً لتصفيف الشعر في منطقة عرنوس الدمشقية، قبل أن تنتقل بعد سنوات إلى بيروت حيث عاشت مع زياد ابنها الوحيد، ومن بعد رحيله مع زوجته فاطمة وأولاده الثلاثة.