لم تكن ليلة أول من أمس عاديّة لدى الرجل الثمانينيّ اللبناني محمد المغربي. المسنّ الذي ينحدر من مرتفعات كفرشوبا (جنوبيّ لبنان)، كان يقطن تحت «جسر الفيات» في منطقة كورنيش النهر في بيروت. لكنه في دقائق، خسر «منزله» المفترض ومكتبته التي أمضى عمره في تأسيسها منذ شبابه وصولاً إلى خريف العمر الذي فاجأه بما لم يكن في الحسبان، وخذله في أصعب مرحلة من حياة الإنسان. هكذا، احترقت «المملكة الخاصّة» التي كان الرجل يعيش فيها وبينها... كأنّ الحياة لم تشبع من فنون القسوة التي مارستها بحقّه طوال سنوات عمره، لكي يأتي الحريق ويذري ما بقي من أمل.
(نبيل اسماعيل)

تتلخّص الحادثة في روايتين: الأولى قيام مجهول بإشعال النيران في مكتبة الرجل، لتلتهم كتب ومقتنيات المغربي التي هي مكتبة تضمّ مئات الكتب والمنشورات، إلى جانب راديو قديم وسرير متهالك وبعض الملابس وحاجات أخرى. الرواية الثانية للحادثة ينقلها «شاهد عيان» هو جار المغربي. عجوز يقطن أيضاً تحت «جسر الفيات» يُدعى يوسف البيطار. في حديث لـ «الأخبار»، شرح البيطار كيف أنه استيقظ عند الواحدة بعد منتصف الليل على رائحة الحريق الذي التهم مكتبة المغربي. وقد دوّت أصوات مجموعة انفجارات صغيرة متلاحقة (حوالى 3) نتيجة احتراق الماكينات التابعة لإدارة السير والتحكّم المروري التي تغذي إشارات المرور وكاميرات المراقبة في المنطقة.
وعلى الفور، اتصل البيطار بالدفاع المدني الذي أتى بسرعة لإخماد الحريق قبل أن يمتدّ إلى المناطق والبنايات المجاورة للجسر. يرجّح البيطار وهو متشرّد يعيش تحت جسر الفيات منذ مدّة، أن يكون الحريق ناتجاً عن النار التي يُوقدها المغربي للتدفئة كل مساء بسبب البرد الشديد، بخاصّة في فترة الليل. وقد يكون الحريق نجم عن الهواء الذي هبّ ليلاً، وجعل الموقدة تشتعل أكثر وتُحرق كل ما بقربها.


وقد رفض المغربي الذهاب مع الصليب الأحمر اللبناني الذي قصد المنطقة من أجل الاطمئنان على صحته بعد الحريق، بخاصّة أنه غاب عن الوعي لبضع دقائق ربما بسبب استنشاق الغازات السّامّة الناتجة عن احتراق الكتب وباقي المقتنيات. وفي صباح اليوم التالي، ذهب المغربي إلى مخفر منطقة الأشرفية لتقديم شكوى، إلى جانب التحقيق معه من أجل معرفة ملابسات الحادثة. وكانت قصّة الرجل المتشرّد انتشرت على السوشال ميديا، بعدما تحدّثت عنه الفنانة ريتا باروتا في جلسة ونشرت صورها معه، لتتفاعل حكايته الحزينة أكثر على مواقع التواصل ويتحوّل إلى «نجم»... قبل أن تأتي نيران العوز والفقر على «جنى» العمر.