بطربوشه وثوبه الشامي ولفّته المُحكمة عند الخصر ومجموعة لوازمه الكلامية، زرع محمد الشمّاط (1936 ــ 2021) محبّته في قلوب جمهور عريض. راكم «الخال أبو رياح» الرصيد الأبرز في حياته من الحب الوافر عند المشاهدين الذين ظلّوا أوفياء لا يخفّف من انتمائهم لهذا الكاركتير أي شيء. أينما ظهر صاحبه، سترجح كفّة شخصيّته الشهيرة ويربح بسهولة على حساب أي شخصية أخرى! عندما اختاره المخرج خلدون المالح للعب دور «الخال أبو رياح» في مسلسل «صح النوم» إلى جانب نهاد قلعي ودريد لحّام وياسين بقّوش وناجي جبر ونجاح حفيظ وباقي المجموعة اللامعة، لم يكن الشمّاط يعرف أنّه أمام دور العمر. دور سيخلّده على مدار أكثر من نصف قرن، وسيظلّ يفعل إلى أجل غير مسمى.
أمس الثلاثاء، وفي الولايات المتحدّة حيث كان يتلقّى العلاج من مرضه، أغلق «أبو رياح» عينيه ومضى إلى عالم أخفّ وطأة وأقل تعباً! إذ سبق أن أُصيب في نهاية التسعينيات بجلطتين دماغيّتين، جعلتاه يواظب على العلاج، بعدما عانى في فترة معيّنة من فقدان موقّت في الذاكرة وتأثّرت حركته ونطقه. وعلى الرغم من حالته الصحيّة وتقدّمه في السن، هزم منذ فترة فيروس كورونا وتعافى منه، لكن النهاية أزفت يوم أمس.
تبعت الشخصية الشهيرة التي أدّاها أيّام الأبيض والأسود، أدوار منوّعة عدّة على مدار مشواره المهني، لكن وحدها دوناً عن غيرها حفرت في الوعي الجمعي للجمهور، إلى درجة أنّ اسمها لازمه على ورقة نعوته ليعرف جمهوره ماذا خسر وهو يسدل الستار على جزء جديد من ذاكرته البصرية التي عمّرها الجيل الذهبي للدراما السورية برهافة وصدق.
جمّد الراحل لفترة غير قصيرة نشاطه الفني، باستثناء بعض الإعلانات التجارية التي شارك فيها باسم الشخصية نفسها التي خلق شعبيته من خلالها. ثم عاد ليلعب الكثير من الأدوار على الشاشة الصغيرة، إلا أنّ أيّاً منها لم يتمكّن من محو أثر «أبو رياح». كأنّها ليست مجرّد شخصية، بل احتفالية تمثيلية عارمة بالإبداع والعفوية المطلقة، ولن يكون غريباً التصاقها به، رغم أنّه جسّد على مدار خمسة أجزاء شخصية «أبو مرزوق» في أكثر أعمال الوطن العربي شهرة، أي «باب الحارة» (بسام الملّا).
كما هي حال الجيل المؤسّس، لم تكن هناك فرصة في البدايات لتدريب أكاديمي يضعه على بوابة الضوء، ولا حتى فرصة لتعليم وافٍ يمهّد له الطريق نحو التمثيل. هكذا، كان لا بد من أن تنطلق الرحلة من أقدس الأماكن الفنية: المسرح. منذ تأسيس المسرح القومي، كان الشمّاط أحد دعائمه الأولى، ومن ثم عرف كيف يعبّد طريقه نحو التلفزيون والسينما. على الشاشة الكبيرة، لعب أدواراً منوّعة، لكنّها لم تكن ذات قيمة كونها محصورة بأفلام تجارية وكوميدية خفيفة، جرّبت نقل نجاح الأعمال التلفزيونية إلى الشاشة الفضية، في حين كان بين مرحلة وأخرى يلعب بنفس شخصية «أبو رياح» ومفرداتها الثابتة في المسرح التجاري.
لعلّ «الخال أبو رياح» مضى مرتاح الضمير بعدما أورث سرّ الصنعة لحفيده سمير الشمّاط. الممثل الشاب يبرع في حياكة شخصياته على قلّتها، رغم الإجماع حول موهبته، لكّن ضنك الفرص ما زال يتسّيد مشهده المهني.
وكان الراحل قد شُيّع في أميركا ودفن هناك، على أن يتمّ تقبّل التعازي اليوم الأربعاء وغداً الخميس بين الساعة الساعة الخامسة والسابعة مساءً في صالة «دار السعادة» في المزّة في دمشق.