ما أكثرَ ما لا أفهمُه!في السياسةِ الكونية،
في كيفيّةِ نشوءِ الزلازلِ والسرطانات والممالِك،
في القوى العظمى، والبلدان المرشَّحةِ للحذف،
في أمراضِ الغلافِ الجويّ،
في أسعارِ الذهبِ والعملات واللحمِ البشريّ:
(عموماً في مغزى الثروة)...
في ضرورةِ إنشاءِ الجيوش، وبزوغِ العقائد، وتَرْسيمِ الحدود بين منازلِ الأمم.

ما أكثرَ ما لا أفهمه!
لا أفهم حِكمةَ النباتات، ومعجزاتِ الأزهار، وأدمغةَ الحشرات، وكَمالَ ألْسِنةِ الطَّير.
لا أفهمُ نهدَ المرأةْ:
لا أفهم النظرياتِ الهندسيّةَ التي جعلتْ هذا الهَرَمَ الحيّ كاملاً إلى هذه الدرجةِ... ومخيفاً.
لا أفهم آليّةَ حصولِ الحبّ وأفانينَهُ ومذاهبَهْ.
لا أفهم كيف يصير الأخضرُ أحمر (تأمَّلوا التفاحة!).
لا أفهم الهواءَ ولا الماء.
لا أفهمُ زُرقَةَ السماوات.
لا أفهمُ مادّةَ النار.
لا أفهمُ أسرارَ تَشَكُّلِ العطرِ في أحلامِ زهرةٍ عديمة الشأنِ والمنفعة.
لا أفهمُ ورقةَ العشب.
لا أفهمُ فرحَ إنسانٍ عاقل يتباهى بالقول: «أنا قادرٌ وقويّ». (الثيران قادرةٌ وقويّة).
لا أفهمُ مصادرَ عبقريةِ رجلٍ مريضٍ وشرّير مثل «هاري ترومان» يقول علناً، وبدونِ أن يستحي من الناس: «لقد قامَرْنا وربِحنا».
وطبعاً كان يتحدث عن قصفِ هيروشيما وشقيقتِها الأخرى.
الشرموط!... قامرَ ورَبِح!
لا أفهمُ مَن يقول: «أَمْلِكُ»، ولا مَن يتأفّفُ شاكياً: «ما عادَ لديّ...».
لا أفهمُ البنوكَ والثكناتِ والمعابدْ.
لا أفهمُ كيفَ ولماذا تَمَّ اختراعُ الجوعِ والبارود والدياناتِ السماويّة.
لا أفهمُ الحكمةَ الإلهيّة في أنْ تطولَ الأظافرُ وتَصْدأ الأسنان وتتألّمَ المخلوقاتُ الضعيفة في الطريق إلى موتها:
لا أفهمُ ضرورةَ الألم.
لا أفهمُ العصا ولا الرصاصة (ماذا أقولُ عن آلةِ الصليب؟!)
لا أفهمُ عقولَ الحكماء.. الحكماءِ الذين، كيفما تَحَرَّكتُ، يُحَذِّرونني: «عليك أنْ تفهم!».
لا أفهمُ مَن يقول: «الكتابةُ هيّنةٌ مثل المشْي»، ولا مَن يَتَذمّر: «عسيرةٌ ومُدَوِّخة مثل الفيزياء».
لا أفهمُ الفلاسفةَ، ولا الكهنة، ولا أباطرةَ العقائدِ الحديثة المبشِّرين بنهايةِ التاريخ وحتميةِ انتصارِ الديموقراطيّةِ والفولاذِ وأسواقِ اللصوصيّةِ الحرة.
لا أفهمُ الإنسان.
لا أفهمُ سرَّ دمعةِ الإنسان. ما بالُكَ بدموعِ الكلابِ والأبقارِ والسناجب!
(أفهمُ صرخةَ المرأة - المرأةِ الأمّ - التي ولْوَلَتْ: «آخ! يا ويلَ قلبي!». ولكم أن تُقَدِّروا المناسَبةْ.
لا أفهمُ اللّـه... ولا الأمل.
*
ما أفهمُهُ ليس كثيراً... ولا شديد الأهمية. لكنه، على ما أظنّ، كافٍ لتلطيفِ آلامِ الظمأ وسَدِّ حاجةِ الحياة.
أشياء قليلة وصغيرة أفهمُها ولا أستطيعُ إثباتَها. صغيرةٌ ومحيِّرة... أفهمُها ولا أُساوِم عليها:
ما أفهمُه أفهمُهُ قبلَ ظهور كارل ماركس ويسوع المسيح. وما أومِنُ به ليس في حاجةٍ إلى كتبٍ ودساتير ومجالسِ أنبياء.
أفهمُ الرُّعاةَ، والشعراءَ، والفلّاحين.
أفهمُ وحشةَ صدورِ الثكالى وعويلَ أرحامِهنْ.
أفهمُ الخوفَ، وحاجةَ الإنسان لأنْ يقول: «كُنْ إلى جانبي!»
أفهمُ الضَّعفْ.
أفهمُ أنّ الموسيقى ضروريّةٌ ونافعة مثل «صباح الخير»
وأنّ الصداقةَ ثمينةٌ مثل لعابِ القبلة.
أفهمُ أنني أُحبُّكْ (ها أنا أَدُلُّ إليك). أنني راضٍ بوجودك. أنني أُشبِهكَ أحياناً، وأختلف عنك في الكثير من الأحيان. أنكَ لازمٌ لحياتي بدونِ أنْ يكون أحدُنا مضطرّاً للخوض في التفاصيل وإثباتِ ما لا حاجةَ لإثباتِهْ...
وإلى حدٍّ ما (إلى الحدّ الكافي لمواصلةِ الحياة): أفهمُكْ.
......
ما أفهمُهُ قليلٌ وكافٍ (قليلٌ وما أكثرهْ!):
أنا حيٌّ في هذه اللحظةِ من الأبدية (لحظةِ كتابةِ «هذه اللحظةْ»).
أنا حيٌّ. أنا أكتب. أنا أَشِيخ. أنا أرغبُ وأتألّمُ وأحلم.
لا أزالُ قادراً على السير... وأتنفّسُ بالطلاقةِ الكافيةِ لتَوازُنِ جسمِ الدابّةْ.
أبغِضُ الذكاءَ والقسوةَ... وأحبُّ ما يستحقُّ الحب.
وحيدٌ. خائفٌ. حزينٌ ومُرْتبِك.
لديّ مواعيد سخيفة لا بدّ من الوفاءِ بها.
... ومشتاقٌ إلى»سلمى».
.. .. ..
:قليلٌ.. وكافٍ.
13/10/2012