قبل ثلاث سنوات، أفرج التشكيلي السوري عصام درويش الذي يدير «مرسم فاتح المدرّس» عن بعض كنوز المعلّم الراحل (1922- 1999)، وها هو يتيح الفرصة مجدداً للجمهور الدمشقي بمعرض نوعي من مقتنياته الخاصة، يشتمل على تخطيطات ولوحات صغيرة وبعض من كتابات اعتاد المدرّس أن يدوّنها على ورقة ما أو على كرتونة مهملة في فوضى مرسمه.
الصور دراسات رسمها المدرس في مرسمه لوجه الشاعر أدونيس في العام ١٩٩٨

تكمن أهمية هذه الرسوم والتخطيطات والبورتريهات في أنها توثيق لمرحلة مبكّرة من حياة التشكيلي الرائد، والمنعطفات التي عبرتها تجربته الثرية والمتفرّدة في المشغل التشكيلي السوري، خصوصاً ما يتعلّق بريف الشمال السوري، إذ رسم وجوه الفلاحات هناك، كما لو أنها امتداد لأشجار الزيتون المتجذرة عميقاً في الأرض، كأنه لم يغادر قريته «كفر جنّة» يوماً. بخطوط سريعة ومتوثّبة، يلتقط فاتح المدرّس ملامح وجوه أصدقائه، بنصوص بصرية توثّق لحظات لا تتكرّر بالقلق نفسه.
هذا ما نجده في وجوه أدونيس، وعبد الرحمن منيف، وعمر أبو ريشة وآخرين. عدا البورتريهات، سنقع على كتابات كان يعلّقها على حائط مرسمه كنوع من الاحتجاج أو بقصد مقاومة النسيان كقوله «إنَّ ماضي البشرية حتى هذه اللحظة لا يُشرّف أي حيوان، حتى الجرذ لا يشرّفه ماضي الإنسان»، و«المطر لا يهطل على الفقراء»، و«في قلب كل ملاك قاتل محترف».
نظنّ بعد مرور 22 عاماً على غيابه، وما حصل للكوكب من آثام مدمّرة، بأنه لن يكتفي بهذه النبرة فحسب، وسوف يتحوّل الأزرق لديه إلى لطخة سوداء تغطي مساحة اللوحة. يروي عصام درويش اللحظات الأخيرة من حياة المعلّم قائلاً «قبل ساعات من رحيله على سرير المستشفى، تأملت المعلم جالساً بمواجهته في برهة حزينة وعاجزة ينم وجهه المغمض العينين عن سلام كامل في لحظة استسلام هادئة، وفكرت في ذلك الكم الهائل من الأفكار والآراء والنظريات والصور والتجارب التي عبرت هذا الدماغ الذي ينطفئ نوره الآن منسحباً للمجهول، وسمعت صوته حين تحدث عن أمه التي بحثت عنه طويلاً في الحقول الى أن أمسكت به وعضته بحنو الأم الغاضبة. يضحك وهو يروي الحكاية حتى تدمع عيناه: «تلك كانت أجمل عضات تلقيتها في حياتي»».

«معرض فاتح المدرس: دراسات وأعمال صغيرة»: الإثنين 28 حزيران (يونيو) حتى 4 تموز (يوليو) ــ غاليري مرسم فاتح المدرس (دمشق) ــ للاستعلام: 00963112252250