هذه المرة لم تكن وفاة علي المسمار (1968 ــ 2021) شائعةً مغرضةً عكّرت صفو محبّيه، بل كانت حقيقة مؤلمة وضعت نهايةً لحياة الإعلامي الذي قاوم المرض العضال بكل بأس قبل أن يستسلم فجر أمس. ثواني الوداع صعبة ومؤلمة على عائلته ومحبّيه، لكنّ أقساها كانت لحظة دخول المسمار محمولاً على أكتاف أصدقائه لإلقاء النظرة الأخيرة عليه في استديو قناة «المنار» في حارة حريك (ضاحية بيروت الجنوبية)... ذلك الطريق الذي مشاه علي طوال أكثر من عشرين عاماً، دخله للمرة الأخيرة بنعش نُثرت عليه الورود.
يُوارى الثرى اليوم في مسقط رأسه الهرمل

يُجمع رفاق علي وأصدقاؤه على أن ابتسامته وصلابته في محاربة المرض، كانتا مدرسة في المقاومة والنضال. يشعر رفاقه بغصّة كبيرة، لأنهم لم يطمئنوا شخصياً على حالته خلال الأشهر الأخيرة بسبب خوفهم عليه من كورونا. لكنّهم لم يهدأوا يوماً في السؤال عن حالة المقدّم الذي يُعتبر أحد أعمدة الإعلام المقاوم. يقول أحد أصدقائه بأنّ علياً كان مؤمناً بقضاء الله، وقد تحلّى بالصبر والقوّة لآخر نفس. قرّر المواجهة بابتسامة علّها تقتل ذلك المرض اللعين. يكشف أحد زملائه بأنّ غصة واحدة كان يشعر بها حين رؤية أبنائه الثلاثة (مريم، علي الرضا وآية). كان يتساءل أمام المقرّبين منه، عمن يعتني بأطفاله بعد وفاته، حتى إنّه طلب من متابعيه ألا يختلط أبناؤه وعائلته مع المعزّين أثناء وفاته بسبب خوفه عليهم من كورونا. الشاب الخمسيني الذي ترك الهرمل (البقاع الشمالي) إلى بيروت، كان مكافحاً بكل ما للكلمة من معنى. بدأ مسيرته في «تلفزيون الفجر» في التسعينيات، قبل أن يتنقّل بين عدد من المؤسسات الإعلامية أبرزها إذاعة «النور» والتحق في الوقت نفسه (في التسعينيات) بقناة «المنار». في هذا السياق، يعدّد المدير العام لقناة «المنار» إبراهيم فرحات لنا بعض صفات الراحل: «كان اجتماعياً من الدرجة الأولى، ومتفائلاً بالحياة، مليئاً بالنشاط والحركة». ويكشف كيف كسر المسمار قواعد التقديم، بعدما ابتكر عبارة «فاصل ونواصل» إبان حرب تموز 2006: «كان يحبّ التميّز في التقديم، فابتكر تلك العبارة. طلب بعض العاملين في قسم الأخبار في «المنار» أن يلتزم علي بالقواعد الخاصة لنشرات الأخبار، لكنّي رفضت ومنحته الحرية في التعبير، واستحالت عبارته بصمةً خاصةً به». يختتم فرحات كلامه بأنّ علياً كان إعلامياً من الدرجة الأولى، عُرف بثقافته وتواضعه وأسلوبه اللافت في الحوار والنقاش. من جانبه، يقول مدير الأخبار في «المنار» علي حايك : «كان الراحل مدرسة ورفع راية التواضع في الإعلام. خلال حرب تموز، تعرّض استديو «المنار» للقصف من قبل العدو الإسرائيلي، لكنّ علياً لم يقطع نشرة أخباره، بل استمرّ فيها لثوانٍ قبل نقل البث إلى مكان آخر. قلّة تعرف أنّ علياً كان أحد الاستشهاديين الأحياء الذين خرجوا أحياء من مبنى القناة». يُذكر أنّ المسمار سيُوارى الثرى اليوم في مسقط رأسه الهرمل.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا