على خلفية نية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، تغيير وضع كاتدرائية «آيا صوفيا» في اسطنبول المثبت منذ عام 1934 بقرار حكومي وتحويلها إلى مسجد، أصدر عدد من المثقفين والأكاديميين والصحافيين، وعلماء الدين والطب، من عرب وفرنسيين (من بينهم الشاعر أدونيس، الإعلامي ماجد نعمة (رئيس تحرير «أفريك آزي»)، والتشكيلي السوري أحمد معلا، وعالم الاجتماع رودولف القارح، وكاهن كنيسة سيدة دمشق الأب إلياس زحلاوي، والخبير في الشؤون الإستراتيجيّة ريشار لابيفيير، والكاتبة ريجينا صنيفر، والأمين العام السابق «للمؤتمر القومي العربي» زياد حافظ، والصحافيون: رينيه نبعة، جاك ماري بورجيه، فيصل جلّول، طارق مامي، رولا عبد الله، عامر التل، خالد سعد زغلول...) بياناً يستنكر الخطوة ويدعو إلى ضمّ الكاتدرائية الشهيرة إلى سجل التراث الإنساني. البيان الذي نُشر في عدد من الصحف والمواقع الفرنسية، اعتبر خطوة الرئيس التركي بمثابة «هروب جديد إلى الأمام»، متورطاً في عملية العبث في التراث المشترك لأهل منطقتنا والعالم بأسره، بطريقة في غاية الخطورة لأنّها تعكس مقاربة ايديولوجية تزوّر الواقع، واستفزازات متتالية تزيد من حدة التوترات في المنطقة بدلاً من إخمادها.وأدرج البيان القرار ضمن سياق يدخل فيه إردوغان في «مغامرة» لا تخفى على أحد، في علاقاته مع المجموعات والحركات الإرهابية الهمجية وعلى رأسها داعش الذي «دمر دور العبادة الإسلامية»، واقترب من «المدافن المقدسة» في سوريا والعراق، لكنه أبقى على ضريح «سليمان شاه» في سوريا الذي يعتبره الرئيس التركي أحد الرموز لسياساته التوسعية. واعتبر الموقعون على البيان أن خطوة إردوغان تندرج ضمن «محاولة التلاعب بالتاريخ كما حصل في مسار مشابه في القدس وفلسطين»، و«اللعب على الذاكرة الجماعية واستخدامها كسلاح للتدمير الشامل».
كذلك شدّد البيان على أن فكرة تحويل الكاتدرائية إلى مسجد، من شأنها «إيقاظ الشياطين»، سواء في المجتمع التركي أو في دول الشرق الأوسط، والمضيّ في تقويض سمة التنوع في المجتمعات المتعددة. وحذّر الموقعون من أن تمثل هذه الخطوة فرصة لتأجيج صراع الأديان والحضارات، و«تشويه صورة الإسلام» الذي بحسب البيان، عانى من استغلال التكفيريين له. ولفتوا إلى خطورة إسهام هذه الخطوة في إزكاء الأحقاد الطائفية والعصبيات حول العالم، لا سيما في المجتمعات المركبة التي تتغنى بالتنوع، فيصيبها التفتت والانقسام والكراهية. ومضت النخب الفرنسية والعربية التي وقّعت البيان في تحميل إردوغان مسؤولية تأجيج هذه المشاعر، رافضةً جملةً وتفصيلاً الذريعة الرسميّة لتحويل «آيا صوفيا» إلى مسجد، وهي اعتبار الأمر «مسألة داخلية» تركية! في حين أن النظام الإردوغاني، اعتمد سياسة الاعتداء الممنهج على سيادة دول كثيرة، من بينها العراق وسوريا وليبيا وقبرص، ضاربةً عرض الحائط بمبادئ القانون الدولي.
وختم البيان بأنّ «آيا صوفيا»، تمثل رمزاً حضارياً، وتنتمي إلى التراث الإنساني، ويراد اليوم تحويلها إلى «أداة خلافية»، ودعا «الاتحاد الأوروبي» إلى إدراك حجم «الابتزاز» الذي يقوم به إردوغان حياله، وحثّه على التحرك مع «المجتمع الدولي»، وتذكير الرئيس التركي بضرورة احترام التزاماته وميثاق «الأمم المتحدة». وبالتوازي مع ذلك، دعا الموقّعون إلى جعل الكاتدرائية موقعاً للتراث العالمي، مطالبين «المجتمع الدولي» بحماية صروح الذاكرة التاريخية التي تشكل فصلاً من الذاكرة الإنسانية، لتحصين شعوب المنطقة ضدّ التعصّب والتكفير والتنظيف الإثني والطائفي والمذهبي، ووضع حدّ للتدهور الذي تشهده هذه المنطقة من العالم.
(للتوقيع على البيان: اضغط هنا)