تعاظمت أخيراً الحملة الأصولية التي تقودها شخصيات دينية، وسياسية، وحتى صفحات فايسبوكية تخصّ مدينة جبيل على مواقع التواصل الاجتماعي، بغية إيقاف حفلة «مشروع ليلى» المقررة في 9 آب (أغسطس) المقبل ضمن «مهرجانات بيبلوس الدولية». الحفلة التي أعلن عنها قبل أشهر، تندرج ضمن احتفالية الفرقة بعيدها العاشر، الذي أرادته من جبيل، المدينة ـــ ويا للمفارقة ـــ التي أطلقتها إلى العالمية قبل عشر سنوات! هكذا، استعرت الحملة الشعواء ضد الفرقة في الساعات الأخيرة، إذ اتهمت بـ «الإساءة الى المقدسات المسيحية». هكذا، خرجت العبارة فجأة، لتلوكها ألسن ساسة ورجال دين، يتحركون تبعاً لما يجدون فيه مصلحة للتحشيد وشدّ العصب، أو أقله الدخول من باب المزايدات السياسية كما حصل مع «التيار الوطني الحر»، و«القوات» اللذين تنافسا على استقطاب «الجمهور المسيحي» بخطابات لا يمكن وصفها الا بالتحريضية والرجعية ضد فرقة الروك البديلة. ويبدو أنّ منشور حامد سنو، المغني الرئيسي في الفرقة، هو الذي أعاد إشعال هذه الجبهة، إذ شارك على صفحته الفايسوبكية مقالة عن مادونا مرفقة بصورة لأيقونة دينية استُبدل فيها وجه العذراء بالنجمة مادونا. أمر دفعه أول من أمس، الى توضيح ما وصفه بـ «البلبلة»، من خلال منشور على صفحته. إذ أعاد تعريف الأخلاق واتّهم مَن يقومون بهذه الحملات بأنهم «ينشرون الأكاذيب»، ويحاولون «إثارة الفتن»، و«الرعب الجماعي»، داعياً إياهم للتفتيش عن أمر يثيرون من خلاله الرعب في نفوس الناس، بدل اتهام الفرقة بأنها تؤمن بـ «الشيطان».
وأمس، كنا بالفعل أمام ماكينة تحريضية، أسهمت مواقع الكترونية في تأجيجها. البداية مع بيان «مطرانية جبيل المارونية». أجل، تدخلت المطرانية لتعتبر أنّ أغنيات «مشروع ليلى» «تمسّ بالقيم الدينية والإنسانية وتتعرض للمقدسات المسيحية»، مطالبةً بإلغاء الحفلة المقررة في «أرض القداسة والحضارة والتاريخ». بدوره، وكما عودنا رئيس «المركز الكاثوليكي للإعلام» عبدو أبو كسم الذي «يتصدى» عادة لـ «الإساءات للديانة المسيحية» على «الجبهة» الفنية والإعلامية، فقد ذهب هذه المرة أشواطاً أبعد! إذ أقحم قضية المثلية ضمن حفلات الإعتراض على الفرقة، طالباً من الدولة اللبنانية «معالجتها» تبعاً للقوانين! ويبدو أنه سمع بأن هناك أغنية للفرقة اعتُبرت أنّها «تهين الثالوث» (أغنية «الجن» ــ 2015)، فأدخلها ضمن حملات «الإساءة الى المسيحية»، سيراً وراء موجة دعائية، تقحم هذه الأغنية ضمن الحملات التحريضية الهستيرية على «مشروع ليلى». وبعد احتدام الحملات التي وصلت إلى حد الترهيب والوعيد، أصدرت الفرقة مساء أمس بياناً اعتبرت فيه أنّ الحملة «مفبركة (...) تضرب حرية التعبير وتلامس محظور التكفير من دون أن تمت الى الحقيقة بصِلة». واستغربت «أن تثور موجة من الاعتراضات على أغنية (...) لا تسيء الى أحد بشيء ولا تنتقص من القيم والأديان (...)، وسبق أن أدتها الفرقة في مهرجانات سابقة عالمية وفي لبنان مثل بعلبك وبيبلوس وعمشيت واهدن وغيرها».
إزاء هذا الإرهاب المنظم والمعمّم ضد «مشروع ليلى»، تطرح مجموعة أسئلة حول التوقيت. علماً أن الحفلة ـــ كما قلنا سابقاً ــــ أُعلن عن موعدها قبل أشهر على مسرح «بيبلوس». عدا أنّ الفرقة سجلت أول حضور فني لها هناك في 2010 ثم 2016، ولم يعترض أحد. سؤال آخر يطرح أيضاً، حول إيجاد الحملات الأصولية «بيئة حاضنة» لها ومسعرّة ايضاً ــــ في بلد يدّعي احترام الحريات الشخصية وحرية الرأي والتعبير ويبيع نفسه للعالم على أنّه منارة للثقافة والفن والحضارة ــــ من دون وجود أي مسوّغ مادي ملموس، يستند إليه أصحاب الحملة للتصويب على الفرقة. فهل أصبحنا كمصر والأردن، اللذين منعا قبلاً «مشروع ليلى» من إقامة حفلات على أراضيهما، تحت ذرائع مختلف، من ضمنها اتهامها بـ «الترويج للمثلية الجنسية»؟ وها هي «تهمة» أخرى تضاف اليوم هي «الإساءة الى المقدسات المسيحية»، علماً أن الأغنية «المستهدفة» يعود تاريخ إصدارها الى عام 2015، ونشرت على الوسائط الإلكترونية، والبحث عنها سهل جداً، فلماذا الركون اليها اليوم في هذه الحملة، وليس بالأمس؟ هل هي «صحوة» متأخرة أم مجرد شماعة تعلَّق عليها مجموعة الإتهامات التي كالها الكهنة ورجال الساسة على حدّ سواء؟ الأكيد أنّنا نعيش زمن «الصحوات» الأصولية، وأنّه لم يعد هناك بؤرة مضيئة في هذا الشرق الذي يواصل الغرق في بحر الظلمات.