يُحسب للنائبة بهية الحريري دورها في إعادة بث الحركة في صيدا القديمة في رمضان لهذا العام. استثمرت نفوذ عائلتها في الدولة والأمن والمجتمع المدني والفني والسفارات (...). استضافت أصدقاء لبنانيين وأجانب، واستعرضت أمامهم زحمة الناس المقبلة على الحارات، وكشفت لهم كنوز المعالم التراثية. استثمار مكثف جعل بعضهم يصدق أن ذلك المشهد من صنيعة «الست» وحدها. لكن الأمر يحتاج إلى التوضيح. الفعاليات الرمضانية في صيدا القديمة أسّست لها البلدية عام 2004، برئاسة عبد الرحمن البزري، والمحسوبة على خصوم الحريري في «التنظيم الشعبي الناصري» والقوى الوطنية. وكان أكثر الرواد من الجنوب. وما إن استعادت «الست» وحلفاؤها البلدية عام 2010، وما أعقبها من شحن مذهبي وسياسي (توّج بحركة أحمد الأسير)، حتى ماتت المدينة، ومن ضمنها ليل رمضان. موت لم تحركه مشاريع الترميم والتأهيل ودورات التدريب في البلدة القديمة، المستندة إلى هبات وقروض دولية، ولا سيما من الولايات المتحدة الأميركية التي يرتفع علمها في اللوحات المثبتة فوق الجدران. أخيراً، توافقت البلدية والجمعيات على ضرورة إعادة إحياء رمضان صيدا. الحريري بما لها من رعاية في البلدية والمجتمع المحلي، قطفت المبادرات والتكاليف المبذولة وجمعتها في إطار موحد، سمّته «صيدا مدينة رمضانية». لكنها اختارت بنفسها من يستظل بعباءتها. بالطبع الموالون فقط. هكذا صارت الجولات التي تنظمها للضيوف، تشمل المقاهي والمعالم الصديقة: خان الإفرنج الذي تديره «مؤسسة الحريري» (بدلاً من المديرية العامة للآثار)، و«متحف عودة للصابون»، و«قصر دبانة»، و«خان صاصي»، وأكاديمية «علا» التي بقيت لعقود «مدرسة عائشة أم المؤمنين» (تابعة للأوقاف السنية) قبل أن تستثمرها الحريري وتسميها باسم ابنتها وتشغلها بالتعاون مع «الجامعة اللبنانية الأميركية» كمركز للتدريب وسط حارات تعاني من الأمية والتسرب المدرسي والفقر المدقع! ولا يفوت «الست» أي تفصيل وسط زحام الجولات. تتنبه جيداً لئلا تقود زوارها إلى معالم ليست صديقة، كمقهى «صيداوي» المحسوب على الجو الوطني ومقر «الكشاف المسلم» الذي يعدّ أقدم مقر كشفي مأهول في العالم. المبالغة في جولة «الست» جعلت بعضهم يتمنى ألا تزوره، إذ في كل جولة يفرض بروتوكول صارم للتجوال سيراً في الحارات الضيقة: انتشار أمني مسلح يطوّق البلد وينتشر عند مداخل الأحياء حيث تتداخل البيوت مع المقاهي، ويحظر حركة المارة حتى يمر الموكب.
مرافقة دائمة من كبار الضباط والمسؤولين والفعاليات في صيدا. تطويع برامج الأمسيات والحجز في المقاهي حتى النفخ في النرجيلة، على وقع خطى «الست». ليل السبت الماضي، طلب أصحاب المقاهي في «باب السراي» من عشرات الزبائن المغادرة، لأنّ «الست بهية آتية ومعها ضيوف كثر»! وبالطبع، تتسابق المقاهي لاستضافتها. أما ليل الإثنين، فقد أجبرت فرقة دالين جبور الموسيقية في «خان صاصي» على تأخير عرضها ساعة حتى تصل الحريري. هي المرّة الأولى التي يشاهد فيها أهل صيدا القديمة «الست بهية» بشكل يومي، حتى في أحلك الظروف التي عانوها. وقد أوشك رمضان على الانتهاء، ويخشون أن تكون صيدا مدينة رمضانية ليلية تموت باقي السنة.