مع إعلان «بيبلوس» برنامجه لهذا الصيف، بعد «بيت الدين» و«بعلبك»، يكون قد أُقفِل «ثالوث الكبار»، واكتمل نصاب «المهرجانات الدولية» الأساسيّة في لبنان. في الردهة الرئيسية للفندق الجبيلي المطل على الميناء العريق، تجد جريدة «الأخبار» على طاولة الاستقبال. يمكنك أن تتصفّحها في انتظار بدء المؤتمر. وفي القاعة التي تحتضن المؤتمر الصحافي، تكثر الشخصيات السياسية والأعيان المحليون. نواب جبيل الثلاثة: زياد الحواط ـــ مصطفى الحسيني ـــ سيمون أبي رميا، والقائمقام نتالي مرعي الخوري، ومديرة مركز الاونيسكو في جبيل دارينا صليبا… آه كدنا ننسى الوزيرة السابقة، القاضية أليس شبطيني التي كانت تنطنط بين الحاضرين، كتلميذة سعيدة في حفلة تسليم الجوائز آخر العام الدراسي. رئيسة لجنة «مهرجانات بيبلوس الدولية» لطيفة اللقيس جلست في الصالة للعام الثاني على التوالي. بعد ترحيب مقتضب بالحاضرين، تركت لنائبها إلقاء كلمة المهرجان، من على المنصّة، بين ممثلَيْ «السياحة» و«الثقافة»، ورئيس بلدية جبيل، وناجي باز السيّد الحقيقي للمناسبة.وجّه فيليب أبي عقل تحيّة إلى الصحافيّة الراحلة مي منسّى التي تغيب للمرّة الأولى عن المناسبة. قبل أن يدخلنا عنوة في صلب الموضوع، مستنكراً «الحملات» التي تستهدف مهرجانات سياحية «هي عامل تنشيط وانعاش اقتصادي (…) وتعطي صورة حية عن لبنان الثقافة والفن». وأشار إلى «ضرورة التعامل مع هذا القطاع استناداً إلى معطيات دقيقة، ووفق معايير واضحة تضعها وزارة السياحة…»، داعياً إلى عدم «وضع الجميع في خانة واحدة». وطالب بـ «إجراء مسح شامل ودقيق لهذا القطاع»، تُحَدّد في ضوئه، استناداً الى معايير واضحة، كيفية التعاطي مع كل مهرجان على حدة، «فلا يذهب الصالح بعزا الطالح»!

يوــ يو ما

لن نسمع ردّ وزير السياحة أفيديس كيدانيان للأسف، فهو تخلّف عن الموعد. وهذا خبر حزين بحدّ ذاته، لأن معاليه يسلّينا دائماً حين يأتي، بنظرياته وقفشاته. لكن المديرة العامة لوزارة السياحة ندى السردوك التي مثّلته، قامت بالواجب وأكثر. بحركة رشيقة من يدها، أزاحت السردوك مخاوف القيّمين على «المهرجانات» والاحتجاجات المشروعة على «محاولات اخضاعهم الى قيود وشروط وضرائب ورسوم» تكاد تخنقهم، كما قال نائب رئيسة «مهرجانات بيبلوس». «خلينا نحط المشاكل على جنب». عجباً، كيف ذلك؟ هناك قلق حقيقي على مستقبل هذه المؤسسات العريقة، لكنّ سعادتها تفضّل الألعاب السحريّة، أي «الخروج من بيروت الهموم إلى جبيل مدينة العطاء والانفتاح والفرح». جاءت تبيعنا سمكاً في البحر يعني، داعيةً إلى «إظهار الوجه الايجابي لبلدنا من أجل المساهمة في تنمية وطننا الجميل بثقافته وناسه (…) وانشالله نوصل لصيغة دعم تناسب قوّة كل مهرجان». أم ملحم في أيّامها لم تصل إلى هذه الذروة! وكان رئيس بلديّة جبيل وسام زعرور قد وجّه رسالة مشفرة الى أفيديسيان لم نفهم إن كانت غزلاً أو هجاء… إذ شكر الوزير على رؤيته الاستراتيجيّة، وقال إن «المشاكل تعالج داخل البيت لا على التلفزيونات ومواقع التواصل». وطبعاً أكد لنا أن «مدينة الحرف هي لجميع اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم».
وزير الثقافة محمد داود تغيّب أيضاً بداعي السفر، فهو يوقّع اتفاقيّة مع المكتبة الوطنيّة في باريس. يعني هناك أمل ربّما، في أن تفتح المكتبة الوطنيّة اللبنانيّة أبوابها للباحثين قريباً مثل كل مكتبات العالم؟ مثّله المدير العام لوزارة الثقافة علي الصمد الذي كان يشعر أنّه في حفلة زجل… بعد الموال الاستهلالي: «بيبلوس التي أعطت الحرف للعالم»، دعا «جميع لجان المهرجانات الى إعطاء الفنان اللبناني المساحة الاكبر في برامجها الفنية». «بيبلوس» تطلعاتها عالميّة لحسن الحظ، وهذا العام حافظت على نهجها، تاركة للفن اللبناني حيّزاً مقبولاً بطبيعة الحال. لكن معظم المواعيد اللبنانية الأخرى تحفل هذا الصيف بالاعمال المحليّة، ليس دائماً تنفيذاً لرؤية تنموية وطنية، بل بسبب قلة الامكانات المادية اللازمة لاستقدام الأعمال من الخارج. وأضاف المدير العام الشاب: «أبشركم بأنّه سيتم اقتطاع جزء كبير من مساهمة وزارة الثقافة»! أبشركم؟ لأ واضح مدى وعيه لخطورة الأزمة، وتعاطفه مع «لجان المهرجانات التي تعاني». وشبيه صوت النعي بصوت البشير، على طريقة المعرّي.
ثم جاء دور المدير الفنّي للمهرجان، لنكتشف برنامجاً حافلاً وغنيّاً يرقى إلى مستوى مواسم الخير. لا شك أن لدى ناجي باز وصفة سحريّة، لابقاء البرمجة في مستوى طموحاته، رغم شح الداعمين، حين قدّم آخرون تنازلات لا بد منها. لا بد أنّه يخوض هنا مغامرته الخاصة، مراهناً على أسماء عالميّة تستقطب جمهور الشباب، بين الروك والتكنو والميتال، وتترك مكاناً للأغنية الفرنسيّة… على أن يكون نصيب الفن المحلي موزّعاً بين الروك اللبناني البديل… والتراث الاندلسي.

المغنّي الفرنسي مارك لافوان سيفتتح «مهرجانات بيبلوس» مستقطباً الى المرفأ القديم جمهوراً فرنكوفونيّاً ينخره الحنين، ويجد نفسه في الاغنيات الحزينة والحميمية، بين «ليلة على كتفها» «وغراميات يوم الأحد» (12 تموز/ يوليو). وفي زخم نجاحات «بوهيميان رابسودي» تأتي إلى لبنان فرقة «كوين سيمفونيك». التجربة التي أطلقها عازف الغيتار براين ماي مع الـ BBC على مسرح الكوليزيوم اللندني، تحظى اليوم بشهرة واسعة في العالم. إنّه لقاء بين فرقة الروك والفرقة السمفونية. خمسون عازفاً، وستة مغنين لاعادة احياء أغنيات فريق Queen البريطاني الأسطوري (20 تموز/ يوليو). موعد آخر مع الروك السمفوني أيضاً، إنما الهارد روك والميتال تحديداً: Within Temptation التي أسسها عازف الغيتار روبرت وسترهولت مع المغنية شارون دين أديل العام 1996. عرض شامل ستقدمه الفرقة في لبنان، استثنائي لجهة الموسيقى وكل عناصر الاستعراض. متعة لكل الحواس، وتجربة قد لا تتكرر كل يوم (7 آب/ أغسطس).
هناك موعد الثالث مع الروك البديل. هذه المرّة موعد لبناني مع فرقة «مشروع ليلى» التي تعود بعد أقل من عقد بقليل إلى المسرح الذي كان مفترق طرق في مسيرتها نحو النجاح والعالمية والتكريس. «أبطال الروك البديل العربي» قال ناجي باز بفخر وحماسة. الرباعي حامد سنّو (غناء/ كلمات)، وفراس ابو فخر (غيتار)، وهايغ بابازيان (كمان)، وكارل جرجس (دارمز)، سيقدمون أغنيات جديدة للمرّة الأولى، وسيستضيفون هذا العام موسيقيين عالميين مثل جو غودار الذي عمل معهم على انتاج بعض أغنيات «مدرسة بيروت» (9 آب/ أغسطس).
أما «الميغا حدث»، أو الحدث الضخم هذا العام الذي غيّرت من أجله «بيبلوس» المدارج، بحيث تتسع لعشرة آلاف مشاهد ومشاهدة وقوفاً، فهو الـ «دي جاي» مارتن غاريكس الذي يعتبر بأعوامه الاثنين والعشرين إحدى أيقونات الموسيقى الالكترونيّة في العالم. سيكون موعداً مع الرقص الهاذي الذي ينتظره جمهور الشباب، علماً أنه كإنتاج وضخامة (50 لايزر على المسرح) «أكبر عمل في تاريخ بيبلوس على الاطلاق»: بتعبير المدير الفني للمهرجان (3 آب/ أغسطس).
الموعد الوحيد مع الموسيقى الشرقيّة سيجمع بين عازف العود شربل روحانا والمغني ملحم زين. الأوّل وجّه العام الماضي من بيبلوس تحيّة مؤثرة لسيد درويش، والثاني صاحب أحد أجمل الأصوات في جيله لبنانياً وعربيّاً. معاً سيغوصان على التراث الأندلسي، ليعيدا احياءه في روح جديدة، ناتجة عن هذه التركيبة الخاصة بين موهبتين لم تلتقيا من قبل (26 تموز/ يوليو).
ومسك الختام سيكون مع الموسيقى الكلاسيكيّة، في حفلة هي الأهم من دون شك في لبنان هذا الصيف. سيحل Yo-Yo Ma ضيفاً على ميناء جبيل وهي زيارته الأولى إلى الشرق الأوسط. المعلم الحائز 19 جائزة «غرامي»، سيكون وحده على الخشبة لساعتين وأربعين دقيقة، محتضناً آلته الأثيرة، الكمان الأوسط، مؤدياً الـ Cello Suites الشهيرة لجان سيبستيان باخ كاملة (24 آب/ أغسطس). العمل اعتبر طويلاً مجرد تمرين موسيقي تقني للعزف على آلة التشيللو، قبل أن يعاد اكتشافه كرائعة موسيقية مع كازالس ومن بعده وستروبوفيتش… «هناك كثيرون أصحاب موهبة على الساحة الموسيقية، وقلة عباقرة… ولعل يو-يو ما أحد هؤلاء… بل ربما أمكننا القول إنّه أكبر موسيقي حي في العالم». الكلام لناجي باز الذي يضيف: «نفتخر بوجوده على شط جبيل… وسنعتبره نهاراً تاريخيّاً»!