بعد أقل من سنة على صدور باكورتهما «صوبيا»، يحيي الأخوان ساري وعيّاد خليفة أمسية على مسرح «جامعة سيدة اللويزة» يقدّمان خلالها مجموعة المقطوعات التي وردت في ألبومهما. الأخوان ينتميان إلى عائلة فنية عريقة لجهة والدهما أنطوان، عازف الكمان ورئيس القسم الشرقي في المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى، وعمّهما الفنان مرسيل خليفة. هكذا، بعد بروز رامي وبشّار خليفة، نجلي مرسيل، بشكل مستقل (ولو أنهما عملا ضمن مشاريع مشتركة)، ها هما ساري (تشيلّو) وعيّاد (بيانو) يدخلان «النادي»، لكن على شكل ثنائي متكافل تأليفاً وعزفاً، علماً أن أسطوانتهما يشارك في تنفيذها ستة موسيقيين آخرين.يحوي «صوبيا» المدعوم من مؤسسة «آفاق»، تسع مقطوعات هجينة، لا تنتمي إلى أي نمط محدَّد، لكنها تستقي مصادرها من الموسيقى الشرقية (إيقاعات ومقامات وتقاسيم وجمل يتخللها ربع صوت أحياناً على التشيلّو) وبعض التيارات الغربية، مثل الجاز الحديث والـ«أمبينت» والكلاسيك المعاصر وقليل من التانغو، بالإضافة إلى اللجوء إلى المعالجة الإلكترونية بشكل محدود جداً. كذلك، يأخذ الارتجال شكل التقاسيم الشرقية حيناً (على التشيلّو) أو الشكل الحر الذي يحيل إلى التجارب الحديثة أكثر منه إلى الجاز (على البيانو). نقطة القوة العامة في العمل تكمن في التمكّن التقني من الآلات، بما أن الرغبة في تبيانه، تكون عالية في بدايات أي موسيقي أنهى دراسة للتو. لكنه سيف ذو حدّين، إذ يأتي غالباً لتغطية نقص في الخبرة والنضوج الفنّي، خاصّة أن الألبوم يحوي مقطوعات تأليف الأخوين خليفة، لا كلاسيكيات (باستثناء محطّة واحدة بعنوان Saraband and Tango مبنية على «ليبرتانغو» للأرجنتيني أستور بياتزولا، علماً أن لا إشارة في الكتيّب إلى ذلك!). الهمّ الفني السليم موجود، بلا شك، لكن الصورة المظهَّرة عنه ما زالت غير واضحة وبحاجة إلى صقل. فالمادة الموسيقية في الألبوم، لناحية التأليف، ترتكز إلى أفكار موسيقية مشتتة، مولّفة على شكل «بلوكّات» بحرفية تقنية لا بحنكة فنية وجمالية. وهذا ما يدفع مسار التأليف إلى الإكثار من (بل الإسراف في) التنويع في الإيقاع (نبضاً وسرعة) والمقامات (الشرقية) والنغمات (الغربية) ضمن المقطوعة الواحدة، ما يؤدي، في النهاية، إلى استنزاف الفكرة الموسيقية المحورية أحياناً وإلى فقدان أهم عنصر في أي موسيقى: البُنية المتينة. ففي بعض الأحيان قد يظن المستمع أن المادة المسجلّة آتية من Jam Session بين مجموعة من الموسيقيين المتفاهمين على الخطوط العريضة، والمنسجمين تماماً في ما خصّ أدوارهم وحرية كل منهم في نقل المقطوعة إلى مزاج آخر، دون توقّف، دون تنفّس، حيث لا وجود لأحد أبلغ عناصر الموسيقى: الصمت. هذا الكلام قد لا يعجب الشابين اليوم. لكنه كلام حريص على تجربة في طور التبلور. كلامٌ سيدركان صحته (أو ربما عدمها) في المستقبل، حين تكبر الخبرة ويراكَم النضج وتتخزّن الأصوات في الذاكرة من خلال السمع (هذه نصيحتنا الأولى والأخيرة لهما: الاطلاع على ما أمكن سماعه من باخ حتى ليدي غاغا) وعندما يتحرّران من سطوة العمل الأول للتمكّن من تقييمه من الخارج، بتجرّدٍ يبدو مستحيلاً اليوم. سيدركان يوماً ما قاله أحد أساطير الجاز: الصمت هو الموسيقى، أما الأصوات/ النغمات فليست سوى الإطار الذي يحيط به. عندها سيخف فائض التعبير غير المبرّر. ستترتّب الأفكار. ستتنسّق الأدوار بين الآلات وستتساقط بعض الخيارات التي تنمّ عن حماس بريء… هذا حتمي وتصاعدي مع الوقت، وربما نلمسه في الأمسية الليلة.

* «صوبيا» لساري وعيّاد خليفة: 20:30 مساء اليوم ــ مسرح «جامعة سيدة اللويزة» (زوق مصبح/ كسروان). الدعوة عامة