اكتظاظ مضبوط، وجوه فرحة، عيون تفيض دهشة، كؤوس تنتظر أن ترفع ترحيباً بالضيف. إنه مساء الأحد الفائت، في حانة الـ «باروميتر» في شارع المكحول البيروتي.المناسبة: الفنان زياد الرحباني الذي طالما صدحت أغنياته في المكان الذي زُيِّن أساساً بصورة جميلة له ويجمع منذ التسعينيات أناساً معظمهم يعشقون فنّه وشخصه، يحل ضيفاً على الـ «باروميتر».
العشرات احتشدوا جلوساً أو وقوفاً وتجوالاً لاستراق صورة. المئات اتصلوا ليحجزوا مكاناً ثميناً لم يصمد شغوره أكثر من ثوانٍ إثر الإعلان عن الحدث. فعلاً، لقد كانت مفاجأة كبيرة حتى للمقرّبين من زياد، المعروف بتحاشيه الأمكنة «المحسوبة عليه» بفعل خجله الشديد في مواجهة الإعجاب الفائض. البعض بقي غير مصدّق حتى رأى زياد وأعضاء الفرقة يدخلون المكان. زياد، الأسطورة التي لا تظهر التواضع بالكلام الفارغ أو بالحركات الجسدية المزيّفة، بل بممارسة للحياة بأكملها من زاوية البسطاء، يجلس بين صعاليك الليل ويقدّم لهم ومعهم أغنيات سكروا على أنغامها معه السكرة الأجمل بعد ألف سكرة من دونه.
قسّم زياد السهرة إلى ثلاثة أقسام. الأوّل تمهيدي، وفيه حلّت الموسيقى من دون سواها، فقدّم مجموعة من المقطوعات من ضمنها «هدوء نسبي». هنا، تألفت الفرقة من زياد (كيبورد)، وخالد عمران (باص كهربائي)، وأيمن زبداوي (إيقاعات)، ورأفت بو حمدان (بزق). في الجزء الثاني، انسحب زياد، فانضم إلى الفرقة صاحب المكان، ربيع الزهر (عود وغناء منفرد)، وجمال عبد الكريم (رقّ)، وبرجيس صاليبا (غناء). قدّم هؤلاء مجموعة من أغنياته الشعبية (والجديد منها ضمناً)، بدءاً من «إسمع يا رضا» ثم «سهّرنا يا بو الأحباب» و«الحالة تعبانة» التي عاد زياد لينضم للفرقة خلالها، ويتابع بعدها بـ «شو هالإيام» ثم بمجموعة من أبيات العتابا القديمة والجديدة، ومن ضمنها واحد يقال للمرّة الأولى: «شهرَيْن صارلي عايِش وعالـDiet / يوماً بِيومٍ يا حياتي عدَّيْت / ما بعرف كيف هالفترة عَدّت (تُلفَظ بمدّ الـ «دال» وكسرها قليلاً لضرورات العتابا) / تا شايفني واقف عا إجرايْ».
هكذا، توالت الأغنيات ذات النفَس المشترك، من «يا بنت المعاون» و«بما إنّو» و«أنا اللي عليكِ مشتاق»، و«يا نور عينيَّ» و«عودك رنّان» و«أمريكا مين»، إلى «عايشة وحدا بَلاك» و«تلفن عيّاش» و«حدا من اللي بيعزّونا». وكذلك، ولكن بعيداً عن الغناء، «ميس الريم» وغيرها…
كم هي ركيكة هذه المقالة لناحية وظيفتها في تغطية ليلة الـ «باروميتر» الطويلة. هكذا أمسيات لا تُنقَل أجواؤها لا بالكتابة ولا بالتواتر، ولا حتى بالتصوير صوتاً أو مع صورة. فيا ليتكم كنتم معنا… ولكم نقدّم اعتذارنا الصادق.